والعاهة تتعدى بطبعها لا بفعل الله تعالى. فقوله: ولا هامة، والهامة بتخفيف الميم على المشهور الذي لم يذكر الجمهور غيره، وقيل بتشديدها، قاله جماعة وحكاه القاضي عياض (١) عن أبي زيد الأنصاري الإمام في اللغة وفيها تأويلان: أحدهما أن العرب كانت تتشاءم بالهامة وهي الطائر المعروف من طير الليل يألف الموتى والقبور وهو غير البوم ولكنه يشبهه وقيل هي البومة كانت إذا سقطت على دار أحدهم قالوا نعت إليه نفسه أو بعض أهله، وهذا تفسير مالك بن أنس. والثاني أن العرب كانت تزعم أن الرجل إذا قتل ولم يؤخذ ثأره خرج من هامته وهو أعلى رأسه طائر يصيح على قبره اسقوني اسقوني من دم قاتلي فإني عطشان، فإذا أخذ بثأره طارت، وقال بعضهم: يخرج من رأسه [دودة] فتنسلخ عن طائر يفعل ذلك. وقيل كانوا يزعمون أن عظام الميت وقيل روحه تصير هامة ويسمونها الصدى وهذا تفسير أكثر العُلماء وهو المشهور، ويجوز أن يكون المراد النوعين [فإنهما] جميعا باطلان فبين النبي -صلى الله عليه وسلم- إبطال ذلك وضلالة الجهال فيما يعتقدون من ذلك وإليه ذهب غير واحد منهم أبو عبيد الحربي.
فرع: في فتاوى [قاضي] خان إذا صاحت الهامة [فقال] أحد يموت رجل: قال بعضهم يكون ذلك كفرا إنما يكون هذا على جهة التفائل، وحكى أيضًا خلافا عن أصحابهم فيمن خرج لسفر فسمع صوت العقعق فرجع هل يكفر؟
(١) شرح النووي على صحيح مسلم (١٤/ ٢١٥)، والنهاية في غريب الحديث والأثر (٥/ ٢٨٣) فتح الباري (١٠/ ٢٤١).