يكون إلا في الحرام وأما الحلال فنعمة من الله على عبده والله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده فشكره على نعمه والاستعانة بها على طاعته واتخاذها طريقا إلى جنته أفضل من الزهد فيها والتخلي عنها ومجانبة أسبابها والتحقيق أنها شغلته عن الله تعالى فالزهد فيها أفضل وإن لم تشغله عن الله بل كان شاكرا لله فيها فحاله أفضل، والزهد فيها تجريد القلب عن التعلق بها والطمأنينة إليها والله أعلم.
[قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ازهد في الدنيا يحبك الله" الحديث، فأمّا كون الزهد في الدنيا سببا لمحبة الله تعالى فلأن الله عز وجل يحب من أطاعه ويبغض من عصاه وطاعة الله عز وجل لا تجتمع مع محبة الدنيا، عرف ذلك بالنصوص والنظر والتجربة والطبع والتواتر. وأما كون [الزهد](١) فيما عند الناس [سببٌ] لمحبة الناس فلأن الناس يتهافتون على الدنيا بطباعهم إذ الدنيا ميتة والناس كلابها فمن زاحمهم عليها أبغضوه ومن زهد فيها ووفرها عليهم أحبّوه، وعدوّ المرء من يعمل عمله. ومما يروى من شعر الشافعي في هذا المعنى:
وما هي إلا جيفة مستحيلة ... عليها كلاب همُّهنَّ اجتذابها
فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها ... وإن تجتذبها نازعتك كلابها
وقد تكاثرت الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأمر بالاستعفاف [عن مسألة] الناس والاستغناء عنهم فمن سأل الناس ما بأيديهم كرهوه وأبغضوه لأن المال محبوب لنفوس بني آدم فمن طلب منهم [مما] يحبّونه كرهوه لذلك.