للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وزهادة. وأما حقيقته الشرعية فاختلف فيها اختلافا كثيرا يطول ذكره والراجح عند بعضهم أنه استصغار الدنيا بجملتها واحتقار جميع شأنها لتصغير الله لها وتحقيره إياها وتحذيره من غرورها في غير ما آية من كتاب الله تعالى كقوله سبحانه وتعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى} (١)، وكقوله {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} (٢) فالزاهد هو المستصغر للدنيا المحتقر لها الذي انصرف قلبه عنها لصغر قدرها عنده فلا يفرح بشيء منها ولا يحزن على فقد ولا يأخذ منها إلا ما [أمر] بأخذه مما يعينه على طاعة ربه ويكون مع ذلك دائم الشغل بذكر الله تعالى وذكر الآخرة وهذا هو أرفع أحوال الزهد لأن من بلغ إلى هذه الرتبة فهو في الدنيا بشخصه وفي الآخرة بروحه وعقل، اهـ قاله في الديباجة.

فائدة: وقد اختلف الناس في الزهد هل هو ممكن في هذه الأزمنة؟ فقال أبو حفص (٣): الزهد لا يكون إلا في الحلال ولا حلال في الدنيا فلا زهد وخالفه الناس في هذا وقالوا بل الحلال موجود أو على تقدير أن لا يكون فيها الحلال فهذا أدعى إلى الزهد فيها وتناول ما تناوله المضطر فيها كتناوله للميتة والدم ولحم الخنزير، ثم اختلف هؤلاء في متعلق الزهد فقالت طائفة الزهد إنما هو في الحلال لأن ترك الحرام فريضة، وقالت [فرقة] بل الزهد لا


(١) سورة النساء، الآية: ٧٧.
(٢) سورة لقمان، الآية: ٣٣.
(٣) الرسالة القشيرية (١/ ١٥٤).