إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك، وكذلك قال لسعد (١): إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم فقراء يتكففون الناس.
فإن قلت: فهلا يدل هذا على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استشعر منهما ضعف التوكل كما قدمت.
قلت: الواجب أن لا يتوهم مثل هذا في الصحابة وحاشاهم من ذلك - رضي الله عنهم -، والظاهر [أنّ] النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أمرهما بذلك ليتأسّى بفعلهم ضعفاء التوكل خشية أن يقتدوا بأفعال الأقوياء مع ضعفهم فيقعوا في الندم بعد الإنفاق فتنقص أجورهم أو تحبط فأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، فمن كان عنده ضعف في التوكل واليقين فلينفق البعض ويترك البعض اقتداء بمن ذكر ومن قوي توكله فلينفق كيف شاء كما فعل الصديق الأكبر وغيره من الصحابة رضي الله تعالى عنهم. وأما ترك الإنفاق بالجملة مع القدرة فهو إلقاء باليد إلى التهلكة ولا رخصة فيه البتة، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. قاله ابن النحاس.
قوله في الحديث:"ثم قال لي: مكانك لا تبرح حتى آتيك" أي الزم مكانك وفي تتمة الحديث، "ثم انطلق في سواد الليل حتى توارى. فسمعت صوتا قد ارتفع فتخوفت أن يكون أحد عَرض لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأردت أن آتيه فذكرت قوله لا تبرح حتى آتيك فلم أبرح حتى أتاني فقلت: لقد سمعت صوتا