للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في ضيق إلا وسعه، ولا ذكره في سعة إلا ضيقها عليه.

قوله: "عن أبي هريرة تقدم الكلام عليه". قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أكثروا من ذكر هاذم اللذات" يعني الموت، والهاذم بالذال المعجمة القاطع، [وهذا كلام مختصر وجيز قد جمع التذكرة وأبلغ في الموعظة فإن من ذكر الموت حقيقة ذكره نغص عليه لذته الحاضرة ومنعه من تمنيها في المستقبل وزهده فيما كان منها مؤمل ولكن النفوس الراكدة والقلوب الغافلة تحتاج إلى تطويل الوعظ وتزويق الألفاظ وإلا ففيما ذكرته من قوله -عليه السلام-: أكثروا من ذكر هاذم اللذات الموت ما يلقى السامع له ويشغل الناظر فيه.

وقال أبو الدرداء (١): من أكثر ذكر الموت قل فرحه وقل حسده. وكان ابن سيرين إذا ذكر عنده الموت مات كل عضو منه على حدته وقال [التيمي] شيئان قطعا عني لذاذة الدنيا: ذكر الموت وذكر الوقوف بين يدي الله تعالى. وقال عمر بن عبد العزيز (٢): لو فارق ذكر الموتي قلبي ساعة لفسد وقال لعنبسة: أكثر ذكر الموت فإن كنت واسع العيش ضيقه عليك وإن كنت ضيق العيش وسعه عليك. وكان يزيد الرقاشي يقول (٣): أيها الناس ألا تبكون ألا تنوحون على أنفسكم باقي حياتكم، من الموت موعده والقبر بيته والثرى فراشه والدود أنيسه وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر كيف يكون


(١) الزهد لابن المبارك (١٤٩) حلية الأولياء (١/ ٢٢٠).
(٢) الزهد لابن المبارك (٢٦٦)، ومصنف ابن أبي شيبة (٣٥٤٣١) عن الربيع بن أبي راشد.
(٣) المجالسة وجواهر العلم (٧٣٠).