من جمّال إلى مكة فأمروه أن يعمل خبزة فلم تجيء جيدة فضربه الجمال، فلما قدموا مكة دخل الجمال فإذا سفيان قد اجتمع حوله الناس فقالوا هذا سفيان الثوري. فلما انفض عنه الناس أتاه الجمال وقال [ألم] أعرفك يا أبا عبد الله، فقال سفيان من يفسد طعام الناس يصيبه أكثر من [هذا]. والإمام أحمد بن حنبل امتحن محنته المشهورة على أن يقول القرآن مخلوق فلم يقل بل قال [إنّ] كلام الله منزل غير مخلوق فضرب بالسياط حتى غشي عليه ثم قطع بعد ذلك من لحمه بالسكين وهو في جميع ذلك صابر، وقد ضرب في محنة القول بخلق القرآن جماعة من العلماء والأخيار وقيدوا وحبسوا فمنهم من مات في قيوده ودفن بها ومنهم نعيم بن حماد شيخ البخاري أوصي أن يدفن في قيوده ليخاصم بها عند الله يوم القيامة، ومنهم أبو يعقوب البويطي أجل أصحاب الشافعي حمل من مصر إلى بغداد في أربعين رطلا من حديد ومات في قيده مسجونا. قال الرّبيع بن سليمان كان البويطي أبدا يحرّك شفتيه بذكر الله تعالى ولقد رأيته على بغل في عنقه غل وفي رجليه قيد وبينه وبين البغل سلسلة فيها لبنة وزنها أربعون رطلا وهو يقول إنما خلق الله الخلق بكن فإذا [كانت "ركن"] مخلوقة فكأنّ [مخلوقا خلق] لمخلوق، [وكان] الإمام مسهر بن عبد الأعلى بن مسهر الدمشقي (١) شيخ [أهل الشام] في وقته وأحد
(١) انظر: سير أعلام النبلاء (١٠/ ٢٣٦)، التاريخ الكبير ٦/ ٧٣، الجرح والتعديل ٦/ ٢٩، تاريخ بغداد ١١/ ٧٢ - ٧٥، تذكرة الحفاظ ١/ ٣٨١، الكاشف ٢/ ١٤٧، تهذيب التهذيب ٦/ ٩٨.