وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من كره لقاء الله كره الله لقاءه" الحديث. قال العلماء: معنى هذا الحديث عند الاحتضار والمعاينة فحينئذ يكشف الغطاء، فأهل السعادة يبشرون بما أعدّ الله لهم وأراده فيهم وهو معنى محبته لقاءهم فيغتبطون ويُسرّون بذلك ويحبّون الموت لتحصيل تلك الكرامة وأهل الشقاوة كشف لهم عن حالهم فكرهوا الورود على ربهم لما تيقنوا من تعذيبه لهم والله تعالى قد أبعدهم عنه وأراد بهم العذاب وهو معنى كراهيته لقاءهم فمن هنا خبرية غير شرطية كأنه قال: من أحب لقاء الله فهو الذي أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله فهو الذي كره الله لقاءه. قولها -رضي الله عنها-: "فقلت يا نبي الله الكراهية الموت فكلنا يكره الموت. قال: ليس ذلك" الحديث. قال ابن عبد البر. قال أبو عبيد: ليس وجه قوله -صلى الله عليه وسلم- ومن كره لقاء الله أن يكره الموت وشدّته لأنّ هذا أمر لا يكاد يخلو منه أحد وبلغنا عن غير واحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنه [كره] حين نزل به ولكن المكروه من ذلك ما كان إيثارا للدنيا على الآخرة وركونا إلى الحظوظ العاجلة وكراهية أن يصير إلى الله والدار الآخرة، وقد عاب الله تعالى قوما حرصوا على ذلك فقال تعالى:{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ}(١).
قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ولكن المؤمن إذا بشّر برحمة الله ورضوانه وجنته أحبّ لقاء الله فأحب الله لقاؤه" الحديث، فالحبّ ها هنا هو الذي يقتضيه الإيمان بالله تعالى والثقة بوعده دون ما يقتضيه حكم الجبلّة.