للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (١).

ثالثاً: عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: (لما نزلت: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} شق ذلك على المسلمين حين فُرض عليهم أن لا يفر واحد من عشرة، فجاء التخفيف فقال: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} قال: فلما خفف الله عنهم من العدَّة نقص من الصبر بقدر ما خُفف عنهم) (٢).

وفي رواية عنه -رضي الله عنه- قال: (قوله: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} قال: كان لكل رجل من المسلمين عشرة، لا ينبغي له أن يفر منهم، فكانوا كذلك حتى أنزل الله: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} فعبأ لكل رجل من المسلمين رجلين من المشركين، فنسخ الأمر الأول) (٣).

ووجه الاستدلال منها هو: أن قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} وإن كان لفظه لفظ الخبر، إلا أنه بمعنى الأمر؛ يدل عليه قوله: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ}. لأن التخفيف إنما يكون في المأمور به، لا في المخبر عنه؛ لذلك كان يجب على المسلمين أن يقاوم الواحد منهم العشرة من المشركين، ويحرم عليه الفرار منهم، ثم نسخ الله ذلك بقوله: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}. فوجب على الواحد من المسلمين مقاومة الاثنين من الكافرين، وحرم عليه الفرار منهما، وأباح له الفرار من


(١) سورة الأنفال، الآية (٦٦).
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه ص ٩٦٧، كتاب التفسير، باب {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا}، ح (٤٦٥٣).
(٣) أخرجه ابن جرير في جامع البيان ٦/ ٤١٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>