للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سلطان يقهر المشركين، وكان المشركون يتعاطون بالشتم والأذى، فأمر الله المسلمين من يجازي منهم أن يجازوا بمثل الذي أُتي إليه، أو يصبروا ويعفوا فهو أمثل، فلما هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة وأعز الله سلطانه أمر المسلمين أن ينتهوا في مظالمهم إلى سلطانهم، ولا يعدو بعضهم على بعض كأهل الجاهلية، فقال: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء: ٣٣]، يقول: ينصره السلطان حتى ينصفه من ظالمه، ومن انتصر لنفسه دون السلطان فهو عاص مسرف، قد عمل بحمية الجاهلية، ولم يرض بحكم الله) (١).

وإذاً فهاتان الآيتان نزلتا قبل النهي عن المثلة؛ لأنها حرمت بعد الهجرة إلى المدينة، وبعد قصة العرنيين، كما سبق ذكره.

أما قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (٢). فهو على قول ابن عباس -رضي الله عنه- السابق كذلك مكية، وقيل هي مدنية نزلت بعد عمرة القضية (٣).

فهو كذلك مما يتطرق له أن يكون قبل النهي عن المثلة، ويؤيد ذلك حديث عمران بن

حصين -رضي الله عنه- «ما خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطبة إلا أمرنا


(١) أخرجه ابن جرير في جامع البيان ٢/ ٩٨١، والبيهقي في السنن الكبرى-واللفظ له- ٨/ ١٠٨.
(٢) سورة البقرة، الآية (١٩٤).
(٣) انظر: جامع البيان ٢/ ٩٨١؛ تفسير ابن كثير ١/ ٢١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>