للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: أن الأمر بالفرار من المجذوم ليس من باب العدوى، بل هو لأمر طبيعي، وهو انتقال الداء من جسد لجسد بواسطة الملامسة والمخالطة وشم الرائحة، ولذلك يقع في كثير من الأمراض في العادة انتقال الداء من المريض إلى الصحيح بكثرة المخالطة (١).

الرابع: أن المراد بنفي العدوى هو: أن شيئاً لا يعدى بطبعه، نفياً لما كانت الجاهلية تعتقده أن الأمراض تعدى بطبعها من غير إضافة إلى الله، فأبطل النبي -صلى الله عليه وسلم- اعتقادهم ذلك، وأكل مع المجذوم ليبين لهم أن الله هو الذي يمرض ويشفي، ونهاهم عن الدنو منه ليبين لهم أن هذا من الأسباب التي أجرى الله العادة بأنها تفضي إلى مسبباتها، ففي نهيه إثبات الأسباب، وفي فعله إشارة إلى أنها لا تستقل، بل الله هو الذي إن شاء سلبها قواها فلا تؤثر شيئاً، وإن شاء أبقاها فأثرت (٢).

الخامس: حمل ما يدل على نفي العدوى، على نفيها أصلاً ورأساً، وحمل ما يدل على المجانبة على حسم المادة وسد الذريعة، وذلك لئلا يحدث للمخالط شيء من ذلك فيظن أنه بسبب المخالطة، فيثبت العدوى التي نفاها الشارع (٣).


(١) وهذا مسلك ابن قتيبة. انظر: تأويل مختلف الحديث ص ٦٩؛ فتح الباري ١٠/ ١٨٧.
(٢) وهذا مسلك أكثر الشافعية. انظر: السنن الكبرى ٧/ ٣٥١ - ٣٥٢؛ فتح الباري ١٠/ ١٨٧، ١٨٨.
(٣) وهذا مسلك أبو عبيد، وابن خزيمة، والطحاوي، والطبري، وبعض الآخرين. انظر: شرح معاني الآثار
٤/ ٣٠٧ - ٣١١؛ الاستذكار ٧/ ٤٢٩؛ فتح الباري ١٠/ ١٨٨ - ١٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>