للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٣٦ - إن مسح اليدين في التيمم إلى المناكب إن كان بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو منسوخ كما ذكره الإمام الشافعي-رحمه الله- وغيره؛ لأن ذلك كان عند نزول آية التيمم، والأحاديث الدالة على مسح اليدين إلى الكفين أو إلى المرفقين متأخرة عنه، يدل على ذلك حديث عمار - رضي الله عنه - في مسح اليدين إلى المناكب، وحديثه في مسح اليدين إلى الكفين.

أما تحديد ما يمسح من اليدين في التيمم فإن حديث عمار - رضي الله عنه - ورد بذكر الكفين، وهو أصح حديث ورد في صفة التيمم. وورد بذكر المرفقين، لكن فيه مقال.

والأحاديث الواردة في مسح اليدين إلى المرفقين كثيرة، لكن بعضها ضعيف، وبعضها صحيح لكنه اختلف في رفعه ووقفه، وأكثر الحفاظ على عدم رفعه. إلا أن بعض أهل العلم قد صحح بعض تلك الأحاديث مرفوعاً.

ومع هذا فالذي يظهر راجحاً هو أنه يجوز الاكتفاء بمسح الكفين في التيمم؛ لقوة حديث

عمار - رضي الله عنه - وصحته، وكون عمار يفتي بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك.

إلا أن الأولى مسح اليدين إلى المرفقين؛ وذلك لأن الأحاديث الواردة في ذلك وإن كان فيها ضعفاً إلا أنها بمجموعها تفيد أن لها أصلاً، ويقويها ما صح عن ابن عمر وجابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- حيث أنهما مسحا أيديهما في التيمم إلى المرفقين، وذكرا أن التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين.

٣٧ - يجب الغسل من الجماع وإن لم ينزل، وأن ترك الغسل منه إذا لم ينزل قد نسخ؛ وذلك لأنه قد ورد أحاديث صحيحة في ترك الغسل من الجماع إذا لم ينزل، وورد كذلك أحاديث صحيحة في وجوب الغسل منه وإن لم ينزل، إلا أنه جاء أحاديث أخر تدل على أن ترك الغسل من الجماع إذا لم ينزل كان في أول الإسلام، وأن وجوب الغسل منه متأخر، فدل ذلك على نسخ الأمر الأول.

ولأن بعض الصحابة رووا أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تدل على جواز ترك الغسل من الجماع إذا لم ينزل، وقال بها، ثم قد رجع عن قوله ذلك، فدل ذلك على نسخ الأحاديث الدالة على ترك الغسل من الجماع إذا لم ينزل؛ إذ لو لم يكن منسوخة عنده لما رجع عنه.

٣٨ - إن القول بنسخ وجوب غسل الجمعة له وجه واحتمال، إلا أن في الأحاديث الدالة على ذلك ضعفاً.

وإن الأحاديث الواردة في الأمر بالغسل للجمعة أقوى وأصح وأصرح في الدلالة، بالنسبة إلى الأحاديث الدالة على جواز ترك الغسل، إلا أن فيها أحاديث صحيحة؛ لذلك يكون القول بالجمع بين هذه الأحاديث أولى، وذلك بحمل الأحاديث الآمرة على الاستحباب والسنية، وحمل ما يدل على الترك على الجواز، ولا تنافي بين ذلك، وما دام يمكن الجمع بين الأحاديث فإنه لا يصار معه إلى ترك بعضها ولا إلى النسخ.

لكن يتأكد غسل الجمعة في حق من يكون عامل نفسه، يعمل بيديه ويتعرق، فيلزمه الاغتسال لئلا يتأذى الناس؛ كما يدل عليه حديث عائشة وابن عباس-رضي الله عنهما-.

٣٩ - يستحب الغسل من غسل الميت ولا يجب؛ لقول ابن عمر - رضي الله عنه -: (كنا نغسل الميت، فمنا من يغتسل، ومنا من لا يغتسل). وبه يجمع بين جميع الأحاديث.

أما ادعاء نسخ ما يدل على الغسل من غسل الميت فضعيف وغير صحيح؛ لأن الأحاديث الواردة فيها، ليس فيها ما يدل على النسخ، إلا حديث علي - رضي الله عنه - مرفوعاً: «نسخ الأضحى كل ذبح، ورمضان كل صوم، وغسل الجنابة كل غسل» وهو صريح في الدلالة على النسخ إلا أنه ضعيف لا يقوي على النسخ.

أما بقية الأحاديث فالاستدلال منها على أنها المتأخرة والناسخة لأحاديث الغسل من غسل الميت، فاحتمال، والنسخ لا يثبت بالاحتمال، بل بصريح ويكون متأخراً، وهو ما لا يوجد هنا.

٤٠ - إن ادعاء نسخ غسل المستحاضة لكل صلاة أو غسلها لتجمع به بين الصلاتين، بالوضوء لكل صلاة محتمل، إلا أن الجمع بين الأحاديث الواردة في المسألة أولى من القول بالنسخ، وذلك بحمل الأمر الوارد فيها بالوضوء على الوجوب، وحمل الأمر الوارد فيها بالغسل لكل صلاة، أو بالغسل لتجمع به بين الصلاتين على الاستحباب.

ثم إن الواجب على المستحاضة الوضوء لكل صلاة، لكن الأفضل لها والأولى الغسل لكل صلاة، ثم الغسل لتجمع به بين الصلاتين، وبهذا يجمع بين هذه الأحاديث كلها.

٤١ - الصلوات المكتوبة هي خمسة فقط، وحديث أنس - رضي الله عنه - يدل على أن الله سبحانه وتعالى فرض ليلة المعراج خمسين صلاة، ثم نسخ ما زاد على الخمسة.

٤٢ - إن ضرب الصبي على الصلاة إذا بلغ عشراً ليس بمنسوخ، وأنه يضرب عليها للتدريب والتمرين لا لوجوبها عليه-وذلك لأن القول بنسخه احتمال ضعيف؛ لأنه ليس هناك أي دليل على تأخر الأحاديث الدالة على عدم تكليفه على الأحاديث الدالة على ضربه على الصلاة إذا بلغ عشراً، أما رفع القلم عنه فالمراد به عدم تكليفه، ولا منافاة بين عدم تكليفه وضربه على الصلاة للتدريب والتمرين. وبذلك يجمع بين هذه الأدلة كلها.

٤٣ - يجوز التغليس والإسفار بصلاة الصبح؛ لأن الكل وقت للفجر.

والأحاديث الدالة على التغليس وأن ذلك كان غالب أحواله - صلى الله عليه وسلم -، أكثر، وأقوى وأصح، لكن الإسفار بصلاة الصبح فيه كذلك أحاديث صحيحة.

والقول بأن التغليس بصلاة الصبح منسوخ، مخالف للأحاديث الصحيحة الصريحة الدالة

على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصليها بغلس. ولا يوجد دليل يدل على أن الأمر بالإسفار كان بعد ما كان يغلس بها، وأنه لم يغلس بها بعد ذلك.

أما القول بأن الإسفار بها منسوخ بالتغليس بها، فله وجه واحتمال، لكنه ضعيف؛ وذلك لأن الحديث الدال على ذلك هو حديث أبي مسعود - رضي الله عنه - وفي الاستدلال منه على النسخ يلزم القول بنسخ التغليس أولاً؛ لأن الإسفار جاء بعده، ثم نسخ الإسفار بالتغليس ثانياً، ولا قائل بذلك.

كما أن الزيادة المذكورة فيها والتي يستدل منها على النسخ، زيادة من أحد الرواة قد تكلم فيه، ثم هي مخالفة للأحاديث الدالة على الإسفار.

٤٤ - يستحب الإبراد بصلاة الظهر في شدة الحر؛ وذلك لأن الأحاديث الدالة على التعجيل بها في شدة الحر منسوخة؛ لأن مع الأحاديث الدالة على الإبراد بها في شدة الحر ما يدل على تأخرها، وأن الأمر بالإبراد كان بعد ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعجل بها ويصليها بالهاجرة؛ حيث جاء في رواية: (وكان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإبراد). وهذا ظاهر في تأخر الأمر بالإبراد بها، ونسخ التعجيل بها.

٤٥ - إن لصلاة المغرب وقتان؛ وذلك لأن الأحاديث الدالة على ذلك صريحة الدلالة، وهي أصح وأقوى وأكثر، بخلاف ما يخالفها، فإنها ليست في درجتها.

ولأن حديث جبريل عليه السلام والذي يُستدل منه على أن صلاة المغرب ليس لها إلا وقتاً واحداً، لا يخلو من أمرين:

أ - إما أن يكون المراد منه بيان وقت الاختيار والاستحباب، وعليه فلا تعارض بينه وبين الأحاديث الدالة على أن آخر وقت المغرب غروب الشفق.

ب - وإما أن يكون المراد منه بيان وقت الجواز، وعليه فيكون منسوخاً؛ لأنه كان بمكة عند أول فرض الصلاة، والأحاديث الدالة على أن آخر وقت المغرب غروب الشفق متأخرة؛ حيث جاءت في المدينة بعد الهجرة، فوجب تقديمها في العمل.

٤٦ - إن آخر وقت العشاء الآخرة يمتد إلى طلوع الفجر؛ وذلك لحديث أبي قتادة - رضي الله عنه - فإنه عام يقتضي امتداد وقت كل صلاة إلى وقت الأخرى، إلا أن الفجر مخصوص من ذلك بالإجماع.

أما القول بأن حديث أبي قتادة - رضي الله عنه - ناسخ للأحاديث الدالة على أن وقتها ثلث الليل أو نصف الليل، فليس هناك دليل يدل على أن حديث أبي قتادة - رضي الله عنه - بعد تلك الأحاديث، ثم يمكن الجمع بين هذه الأحاديث وحديث أبي قتادة - رضي الله عنه -، وذلك بحمل هذه الأحاديث على بيان وقت الأفضل والاختيار، وحمل حديث أبي قتادة - رضي الله عنه - على بيان آخر الوقت، وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم، ومنهم أصحاب المذاهب الأربعة، ولذلك لا يبقى أي احتمال للقول بالنسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>