للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٥٩ - إن الراجح هو عدم سنية الجهر بالتسمية في الصلاة؛ وذلك لأن الأحاديث الدالة على عدم الجهر بها أقوي في الجملة وأصح، أما ما يُستدل منه على الجهر بها فإما ليس بصحيح أو ليس بصريح في الجهر بها.

ولأن الأحاديث التي يُستدل منها على الجهر بالبسملة تحتمل أن الجهر بها كان للتعليم أو كما يتفق، كما حصل في غير البسملة.

أما دعوي نسخ الجهر بالتسمية في الصلاة فاحتمال لكنه ضعيف؛ حيث إن الرواية الدالة على ذلك متكلم فيها، كما أن الأحاديث التي يُستدل منها على الجهر بها لا تخلوا من ضعف في نفسه أو في الاستدلال به.

٦٠ - إن السنة هو الأخذ بالركب في الركوع؛ وذلك لكثرة الأحاديث الدالة على ذلك مع صحتها.

أما التطبيق فهو وإن ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن حديث سعد بن أبي وقاص وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- صريحان في نسخ ذلك، وأن ذلك كان أولاً، ثم جاء الأمر بعد ذلك بوضع اليدين على الركب في الركوع، فلذلك لا يبقى له حكم، ولا يصح الاحتجاج به

بعد ذلك.

٦١ - إن القنوت مشروع في المكتوبات عند النوازل، وليس من السنن الراتبة في الفجر، وبهذا القول يمكن أن يجمع بين الأحاديث المختلفة في المسألة.

أما القول بنسخ القنوت في المكتوبات فضعيف، ويكفي لرده قنوت الصحابة -رضي الله عنهم- بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد كان أبو هريرة - رضي الله عنه - يقنت في الركعة الأخرى من صلاة الظهر وصلاة العشاء وصلاة الصبح بعد ما يقول: (سمع الله لمن حمده) فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار.

وترك النبي - صلى الله عليه وسلم - القنوت بعد مدة لم يكن لعدم بقاء مشروعيته، بل لزوال سببه؛ لذلك لا يصح الاستدلال منه على النسخ.

كما أن القول بأن القنوت في الفجر من السنن الراتبة وأنه الناسخ لغيره ضعيف كذلك؛ وذلك لأن الأحاديث المستدل منها على ذلك إما غير صريحة في ذلك، أو لا تخلو من كلام فيها، ولو داوم عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعا فيه بدعاء لنقله الصحابة ولما أهملوا قنوته الراتب، وإذا انعدم ذلك، دل على عدم ذلك، ومن تأمل الأحاديث الصحيحة علم هذا بالضرورة.

٦٢ - يجوز القنوت في الصلوات عند النوزال، ويجوز فيه اللعن على الكفار ولو بذكر أسمائهم أو قبائلهم، ولم ينسخ ذلك، والمراد بترك القنوت المذكور في بعض الأحاديث هو تركه لزوال السبب، وليس المراد به الترك الكلي، بل قد قنت النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك عند ما وجد السبب، كما دل عليه غير ما حديث؛ لذلك يجوز القنوت ولعن الكفار في النوازل.

٦٣ - يجوز القنوت قبل الركوع وبعده، لما روى أنس - رضي الله عنه - قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت بعد الركعة وأبو بكر - رضي الله عنه - وعمر - رضي الله عنه - حتى كان عثمان - رضي الله عنه - قنت قبل الركعة ليدرك الناس».

لكن الراجح في النوازل هو القنوت بعد الركوع؛ وذلك لأن أكثر من نقل ذلك عن الصحابة ذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله بعد الركوع.

أما القنوت في الوتر فالراجح أن محله قبل الركوع؛ لأن الأدلة الدالة عليه بعضها صريح في ذلك، وهي بمجموعها تصلح للاحتجاج بها، بخلاف أدلة القول المعارض له؛ حيث إنها ليست في مرتبتها.

أما ادعاء نسخ القنوت بعد الركوع فضعيف بل لا يصح، وكأن القول به مبني على القول بنسخ القنوت في المكتوبات، وهو غير صحيح كما سبق ذكره.

٦٤ - إن الأحاديث الدالة على تقديم الركبتين على اليدين عند الهوي إلى السجود لم يسلم أي واحد منها عن الكلام فيه، إلا أنها بمجموعها يدل على أن لها أصلاً، وقد صحح بعضها بعض أهل العلم، ويقويها عمل بعض الصحابة -رضي الله عنهم- على وفقها.

ثم تلك الأحاديث صريحة في الدلالة على تقديم الركبتين على اليدين عند السجود، وأن ذلك من صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا تحتمل غير ذلك.

أما الأحاديث التي يُستدل منها على تقديم اليدين على الركبتين عند الهوي إلى السجود فأصح، وأقوى إسناداً من الأحاديث التي يستدل منها على تقديم الركبتين على اليدين، لكن بعضها تحتمل أكثر من احتمال، وبعضها مختلف في رفعها ووقفها.

أما ادعاء نسخ ما يدل على تقديم اليدين على الركبتين عند السجود فضعيف؛ لأن الحديث الدال على ذلك- مع أنه صريح في الدلالة على النسخ- ضعيف لذلك فهو لا يقوى على معارضة ما يخالفه.

كما أن القول بنسخ ما يدل على وضع الركبتين قبل اليدين ليس عليه أي دليل، وهو أضعف من قول من قال بعكسه.

٦٥ - إن الإقعاء بين السجدتين سنة كالافتراش، وهو أن ينصب القدمين ويجلس على العقبين مع كون الركبتين على الأرض؛ وذلك لأن النهي جاء عن إقعاء كإقعاء الكلب، وإقعاء الكلب هو أن يلصق أليتيه بالأرض وينصب ساقيه، ويضع يديه بالأرض. فهذا هو المنهي عنه، وهو غير النوع الذي قيل بسنيته، لذلك لا يكون هذا النهي مشتملاً للنوع الذي قيل بسنيته.

أما ادعاء نسخ الإقعاء فغير صحيح؛ لأن الأحاديث الواردة في النهي عن الإقعاء وفي سنيته لا يعلم المتأخر منه عن المتقدم، ثم الجمع بينهما ممكن، لذلك يكون القول بالنسخ مرجوحاً وغير صحيح.

٦٦ - عمد الكلام في الصلاة مبطل للصلاة بلا خلاف إذا لم يكن لإصلاح الصلاة، وأن جواز الكلام في الصلاة قد نسخ.

وأن الكلام في الصلاة نسخ بالمدينة وبعد الهجرة؛ لأن الآية التي هي الأصل في نسخ الكلام في الصلاة، وهي قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}. نزلت بالمدنية وبعد الهجرة بالاتفاق.

وإن الأدلة التي استدل بها من قال بنسخ الكلام في الصلاة مطلقاً مطلقة وعامة تشمل جميع أنواع الكلام؛ حيث إنها ليس فيها ما يدل على الفرق بين العمد والسهو والنسيان.

وإن حديث ذي اليدين يحتمل أن يكون قبل نسخ الكلام في الصلاة، فيكون منسوخاً بأحاديث النهي عن الكلام في الصلاة.

ويحتمل أن يكون بعده، فيكون مخصصاً لعموم أحاديث النهي عن الكلام في الصلاة؛ لذلك لو نسي شخص وسلم قبل تمام صلاته، ثم تذكره من قريب، أو كان إماماً فأخبره أحد المأمومين بذلك فله أن يبني على صلاته، ويسجد للسهو؛ وذلك لظاهر حديث أبي هريرة، وعمران بن حصين، وعبد الله بن مسعود، وغيرهم -رضي الله عنهم-، وعدم وجود ما يصرح على أن النهي عن الكلام في الصلاة كان بعد تلك الأحاديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>