للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٦٧ - يجوز سجود السهو قبل السلام وبعده. وإن ادعاء نسخ الأحاديث الدالة على السجود بعد السلام ضعيف؛ لأن ذلك مبني على أن سجود السهو بعد السلام مذكور في حديث ذي اليدين وهو قتل ببدر، و مذكور في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- وهو متقدم الإسلام، وأن السجود قبل السلام من رواية أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- وهو من أحداث الأنصار و أصاغرهم، ومن رواية معاوية -رضي الله عنه- وهو إنما صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد فتح مكة، وكل هذا ضعيف؛ لأن الأصح أن ذا اليدين لم يقتل ببدر، وإنما روى قصته أبو هريرة -رضي الله عنه- وهو أسلم عام خيبر، سنة سبع، كما أن السجود في حديث معاوية -رضي الله عنه- في غير الصورة المذكورة في حديث ذي اليدين وابن مسعود-رضي الله عنهما-فلا منافاة بينهما، ولا يصح أن يكون السجود في صورة قبل السلام نسخاً للسجود بعده في صورة أخرى، كما أن النسخ إنما يكون بما يناقض المنسوخ، والنبي -صلى الله عليه وسلم- سجد بعد السلام، ولم ينقل عنه أحد أنه نهى عن ذلك، فكل هذا مما يضعف القول بالنسخ ويدل على عدم صحته.

لكن الأولى أن يسجد في المواضع التي سجد فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما سجد هو، وفي غيرها إن كان لزيادة فبعد السلام، وإن كان لنقص فقبل السلام، وهذا فيه نوع جمع بين الأدلة.

٦٨ - إن القول بنسخ السجود في المفصل غير صحيح؛ لأن مبناه على أن السجود في المفصل كان بمكة، وأنه ترك ذلك بعد الهجرة، لكن هذا الأصل ضعيف وغير صحيح؛ لأنه ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه سجد فيها بعد الهجرة، كما رواه عنه أبو هريرة -رضي الله عنه- وغيره، فثبت بذلك أن القول بالنسخ غير صحيح؛ لذلك يسجد في المفصل؛ لصحة الأحاديث الدالة على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد في سورة النجم، والانشقاق، والعلق.

٦٩ - إن الراجح هو نسخ وجوب قيام الليل مطلقاً؛ وذلك لأن حديث عائشة-رضي الله عنها- صريح في ذلك حيث قالت: (، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة). ولم تفرق بين قيام وقيام، كما يوجد أحاديث كثيرة صحيحة وصريحة، تدل على عدم وجوب صلاة غير الصلوات الخمس. والقول بوجوب قيام شيء من الليل قول شاذ، وقد انعقد الإجماع على خلافه وعلى نسخ قيام الليل مطلقاً، كما صرح به بعض أهل العلم.

٧٠ - يجوز الوتر على الراحلة في السفر، وذلك لثبوت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

أما ادعاء نسخ الوتر على الراحلة فضعيف وغير صحيح؛ لأنه ليس عليه أي دليل، ويؤكد عدم النسخ عمل بعض الصحابة على ذلك بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد كان علي بن أبي طالب وابن عمر -رضي الله عنهم- يوتران على الراحلة في السفر، فلو كان ذلك منسوخاً لما عملا به.

٧١ - إن القول بنسخ ما يدل على النفخ في الصلاة ضعيف وغير صحيح؛ لأن مستنده هو نسخ الكلام في الصلاة، ونسخ الكلام في الصلاة قبله، ولا يصح نسخ المتأخر بالمتقدم.

ثم النفخ في الصلاة مكروه، لكن لا يفسد الصلاة ما لم يتفاحش، ولم يقصد به صاحبه اللعب والعبث، وذلك لما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نفخ في صلاته، وقال: «وعرضت عليّ النار، فجعلت أنفخ خشية أن يغشاكم حرها».

إلا أن النفخ في الصلاة إذا كثر، ولم يكن لحاجة فإنه يكون حكمه حكم الكلام في الصلاة، وذلك لما روي عن ابن عباس -رضي الله عنه- وغيره أنه بمنزلة الكلام.

٧٢ - يكره الالتفات في الصلاة، ولا يبطل به الصلاة إذا لم يبلغ حد استدبار القبلة. وبهذا

القول يجمع بين الأحاديث الواردة في المسألة.

والقول بنسخ الالتفات في الصلاة، له وجه؛ حيث إن الأدلة التي استُدل بها على النسخ تحتمل ذلك، إلا أنه ليس مخالفاً لقول جمهور أهل العلم؛ حيث اتفق الجميع على كراهة الالتفات لغير حاجة.

٧٣ - يجوز حمل الصبي في الصلاة؛ لصحة الحديث فيه وثبوته من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليس فيه أن ذلك كان للضرورة، وقد جاء في بعض طرقه أن ذلك كان في صلاة الجماعة.

أما القول بنسخ هذا الحديث لأنه عمل كثير، بحديث ابن مسعود -رضي الله عنه- (إن في الصلاة شغلاً). فهو غير صحيح؛ لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال. ثم إن حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- الذي يُستدل منه على النسخ قد قيل: إنه كان قبل هذا الحديث، لذلك لا يصح الاستدلال منه على النسخ؛ حيث لا يصح نسخ المتأخر بالمتقدم.

٧٤ - إن الأحاديث الواردة في قطع الصلاة بمرور المرأة والحمار والكلب بين يدي المصلي صحيحة وصريحة، لذلك لو أعاد أحد الصلاة من مرور شيء ممن ذكر فيها بين يديه فيكون قد أحسن؛ عملاً بظاهر تلك الأحاديث، وخروجاً من خلاف أهل العلم.

إلا أن صلاته صحيحة ولا يبطلها مرور شيء بين يديه، وذلك لأن القول بأن الأحاديث الدالة على قطع الصلاة بمرور الكلب والمرأة والحمار منسوخة، له وجه؛ لأن تلك الأحاديث ذكر فيها قطع الصلاة بمرور الكلب والمرأة والحمار، ثم حديث ابن عباس -رضي الله عنه- في مرور الحمار بين يدي بعض الصف أو أمام النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي ولم يقطع صلاتهم، وقول ابن عباس -رضي الله عنه- أنه لم ينكر ذلك عليه أحد، يدل أن القطع والإنكار كان أولاً، وأن عدم الإنكار وعدم قطع الصلاة بذلك متأخر عن ذلك، فهذا ما يفهم من كلام ابن عباس -رضي الله عنه- واستدلاله بعدم الإنكار عليه.

كما أن قول عياش بن أبي ربيعة -رضي الله عنه- المذكور في حديث أنس -رضي الله عنه-: (إني سمعت أن الحمار يقطع الصلاة)، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- له: «لا يقطع الصلاة شيء» يدل أن عدم قطع الصلاة بشيء كان بعد قطع الصلاة ببعض الأشياء، فيكون عدم القطع ناسخاً ومتأخراً عن القطع على مقتضى هذا الحديث.

أما ادعاء نسخ الأحاديث الدالة على عدم قطع الصلاة بشيء، فلا وجه له، ولا يوجد ما يدل على تأخرها على ما يخالفها.

٧٥ - للمصلي مقاتلة من يصر على المرور بينه وبين السترة؛ وذلك لصحة الأحاديث في ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، من رواية أبي سعيد، وابن عمر-رضي الله عنهما-.

ولا يصح ادعاء نسخه بحديث (إن في الصلاة شغلاً)؛ لأنه لا يوجد ما يدل على أن هذا الحديث متأخر عن حديثهما، ثم لو كان ما روياه منسوخاً لما عملا به بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، والحال أنهما كانا يعملان به بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-.

٧٦ - لا يجوز الصلاة إلى ما فيه صورة؛ يدل عليه حديث عائشة -رضي الله عنها-الذي فيه أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بتأخير الصورة عن الجهة التي كان يصلي إليها -صلى الله عليه وسلم-.

أما ادعاء نسخ الصلاة إلى ما فيه صورة، فيصح لو كان صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ما فيه صورة عن قصد وإباحة، وإلا فيصح الاستدلال من حديث عائشة-رضي الله عنها-على النهي عن الصلاة إلى ما فيه صورة، ولا يصح الاستدلال منه على الإباحة ثم نسخ ذلك. …

٧٧ - إن القول بنسخ وجوب صلاة الجماعة، قول له وجه؛ لأن حديث عتبان بن مالك -رضي الله عنه- يظهر منه أنه بعد حديث الأعمى الذي لم يرخص له النبي -صلى الله عليه وسلم- في التخلف عن الجماعة، ويؤكد ذلك الإجماع على عدم وجوب صلاة الجماعة على أصحاب الأعذار. كما أن حديث أبي هريرة في التخلف عن صلاة الجماعة فيه تهديد بتحريق المتخلفين عنها، والتعذيب بالنار قد نسخ، فيكون ذلك قبل نسخ التعذيب بالنار.

لكن هذا القول ضعيف؛ لأن ما ذكر احتمال، والنسخ لا يثبت بالاحتمال. كما أنه مبني على أن الأحاديث الدالة عل الوجوب معارضة بأحاديث تفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ، وليس الأمر كذلك؛ حيث إنه يمكن الجمع بينهما بأن يكون صلاة الجماعة واجبة لأدلة الوجوب، ولكن لا تكون شرطاً لصحة الصلاة، لأحاديث التفضيل ونحوها. وإذا أمكن الجمع بين الأدلة لا يصار إلى القول بالنسخ.

ولذلك يكون الراجح القول بأن صلاة الجماعة واجبة وليست شرطاً لصحة الصلاة؛ لصراحة الأدلة الدالة عليه، وظهورها، بخلاف أدلة الأقوال الأخرى.

٧٨ - الصحيح هو أن مقام المأمومين إذا كانوا اثنين خلف الإمام، إذا كانوا يصلون جماعة؛ وذلك لكثرة الأدلة الدالة عليه، مع صحتها وصراحتها.

ولأن حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- الذي يدل على وقوف الاثنين إلى جانبي الإمام، رُوي مرفوعاً، ورُوي موقوفاً، ثم يحتمل أموراً، منها: أنه صلى كذلك لضيق المكان.

كما أن القول بنسخ حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- في قيام الاثنين إلى جانبي الإمام إذا كانوا يصلون جماعة، له وجه؛ حيث إنه ذُكر معه التطبيق، وهو كان في أول الإسلام. أما حديث أنس وجابر-رضي الله عنهما-الدالان على خلافه فبعد الهجرة بلا شك.

<<  <  ج: ص:  >  >>