للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٨٩ - يجوزأن يصلي الإمام في الخوف بكل طائفة كامل الصلاة، وذلك؛ لثبوت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، مع صحة دليله، وكونه ظاهراً.

أما ادعاء نسخ أن يصلى الإمام بكل طائفة كامل الصلاة فقول ضعيف وغير صحيح؛ إذ ليس عليه دليل يثبت ذلك، فهو مجرد احتمال، والنسخ لا يثبت به.

٩٠ - لا يستحب القيام للجنازة؛ لأن القيام للجنازة لها قد نسخ. والأدلة الدالة على القيام

لها وإن كانت أكثر، إلا أن الأدلة الدالة على عدم القيام لها، وأن القيام لها قد نسخ، معها ما يدل على أنها متأخرة عن الأدلة الدالة على القيام لها، وهي بمجموع رواياتها وطرقها صالحة للاحتجاج بها، وتفيد نسخ القيام للجنازة.

٩١ - إن من تبع جنازة فلا يجلس حتى توضع عن مناكب الرجال؛ وذلك لكثرة الأدلة الدالة عليه، مع كونها صحيحة، وصريحة.

أما الأدلة التي يستدل منها على الجلوس قبل وضعها فبعضها ضعيف، وبعضها روي بطرق مختلفة بين صريح ومحتمل، مع أن القصة واحدة، وهو مما يضعف وجه الاستدلال منه على الجلوس.

ولأن أبا سعيد الخدري وأبا هريرة-رضي الله عنهما-قد رويا: أنهما لم يريا النبي -صلى الله عليه وسلم- شهد جنازة فجلس قبل وضعها.

ثم إن أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- لما رأى أبا هريرة ومروان جلسا قبل وضع الجنازة، أمر مروان بالقيام، وبين له أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ذلك، وصدّقه أبو هريرة -رضي الله عنه-. وكان ذلك بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- بزمان، وكان كذلك بمشهد من حضر الجنازة، ولم يقل أحد لأبي سعيد أن ذلك قد نسخ. فدل ذلك على أنه محكم ولم ينسخ.

٩٢ - يجوز الصلاة على الجنازة في المسجد؛ لحديث عائشة -رضي الله عنها-في صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- على سهيل ابن بيضاء في المسجد. ولعمل الصحابة-رضي الله عنهم- بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك؛ حيث صلوا على أبي بكر، وعمر-رضي الله عنهما- في المسجد، فلو لم يكن ذلك جائزاً لما عملوا به.

إلا أن الأفضل والأولى الصلاة على الجنازة في المصلى وخارج المسجد؛ وذلك لأنه لم يكن من هديه -صلى الله عليه وسلم- الراتب الصلاة على الجنازة في المسجد، وإنما كان يصلي عليها خارج المسجد، ولذلك خرج بالناس إلى المصلى حين صلى على النجاشي.

أما ادعاء نسخ صلاة الجنازة في المسجد فغير صحيح؛ وذلك لأن الذين أنكروا على عائشة-رضي الله عنها- صلاة الجنازة في المسجد، سكتوا حين روت فيه الخبر، فلو كان ذلك منسوخاً لبينوه ولما سكتوا.

كما أن الصحابة-رضي الله عنهم- المهاجرون والأنصار، صلوا على أبي بكر، وعمر-رضي الله عنهما-في المسجد، ولم ينكر ذلك أحد-ومنهم أبو هريرة -رضي الله عنه-، ولا بين أحد أن ذلك منسوخ. فلو كان ذلك منسوخاً، وكان عندهم علم بذلك لبينوه.

٩٣ - يكبر على الجنازة أربعاً، وذلك؛ لأن التكبير أربعاً هو أشهر وأكثر عمل النبي -صلى الله عليه وسلم-.

أما الأحاديث التي فيها التكبير على الجنازة أكثر من أربع، فيتطرق إليها احتمال النسخ؛

حيث جاءت روايات كثيرة تدل على أن التكبير أربعاً على الجنازة آخر الأمور. وهي بمجموعها تدل على أن لها أصلاً، وهو وإن كان احتمالاً إلا أنه احتمال قوي، يؤكده اتفاق الصحابة-رضي الله عنهم- على ذلك.

٩٤ - الأدلة الواردة في الصلاة على من مات وعليه دين، تدل بمجموعها على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يصلي على من مات وعليه دين ولم يترك وفاءً، إلا أن يتحمله أحد فيصلي عليه، ثم لما فتح الله عليه الفتوح، لم يترك النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة على من مات وعليه دين، بل صلى عليه، وأدّى ما عليه من الدين مما فتح الله عليه. فثبت من ذلك نسخ تركه الصلاة على من مات وعليه دين.

٩٥ - إن للإمام أن يترك الصلاة على من قتل نفسه، إذا كان في ذلك زجراً للناس عن ارتكاب مثل فعله، كما ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة عليه. ويصلى عليه سائر الناس؛ لكونه مسلماً، وعدم وجود ما يدل على حرمة الصلاة عليه.

أما ادعاء نسخ ترك صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- على من قتل نفسه فغير صحيح، إذ ليس عليه أي دليل.

٩٦ - قد صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- على أبيّ ابن سلول، وكان رأس المنافقين، ثم نهي الله تعالى عن الصلاة على المنافقين، فترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصلاة عليهم، فنُسخت بذلك الصلاة عليهم، فلم يجز لأحد بعد ذلك أن يصلي على منافق أو كافر.

٩٧ - إن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبعض المسلمين استغفروا لبعض أقاربهم وهم مشركون، فنهاهم الله تعالى عن الاستغفار لهم، فنُسخ به عملهم ذلك، وحرم الاستغفار للمشركين.

٩٨ - يحرم النياحة على الميت، وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة، وورد ما يدل على

إباحتها، لكن كان ذلك بعد غزوة أحد، ثم نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النياحة، فنسخ به الإباحة السابقة.

٩٩ - يستحب زيارة القبور للرجال؛ للأحاديث الكثيرة الصحيحة الواردة في ذلك، من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفعله، وأن النهي عن زيارة القبور قد نسخ بذلك.

ويدل على عدم تحريم زيارة النساء للقبور عموم الأدلة التي تدل على مشروعية زيارة القبور؛ حيث إنها تشمل الرجال والنساء. فيحتمل أن يكون نهيهنّ عن زيارة القبور منسوخاً، ويقوي هذا الاحتمال عمل عائشة-رضي الله عنها-، وروايتها الدال على مشروعية الزيارة بعد النهي عنه، وقد قالت ذلك بعد زيارتها لقبر أخيها. كما يؤيد ذلك عدم إنكار النبي -صلى الله عليه وسلم- على المرأة قعودها عند القبر.

لكن الأولى والأظهر القول بمنع زيارة النساء للقبور؛ وذلك لأن حديث بريدة -رضي الله عنه-، وما في معناه، أدلة عامة، تدل بعمومها على جواز زيارة القبور للنساء، والأدلة التي تدل على نهي النساء عن زيارة القبور، أدلة خاصة، والعام لا يعارض الأدلة الخاصة.

١٠٠ - لا خلاف بين أهل العلم في أنه إن نزلت بالمسلمين حاجة، أو وُجد لشخص ذوو أرحام محتاجين وعاجزين عن التكسُّب، أو وُجد جائع مضطر إلى طعام، أنه يجب الإنفاق عليهم، ولو كان ذلك بعد أداء الزكاة، كما أن النفقات الواجبة على الشخص من نفقة الزوجة والأولاد، ومن يعوله، يجب على الشخص في ماله غير الزكاة. وأنه ليس شيء من هذا منسوخاً.

أما الحقوق المالية فإنه لا يجب في المال حق سوى الزكاة؛ وذلك لأحاديث كثيرة تدل على أن من أدى زكاة ماله فليس عليه فيه غيرها إلا أن يتطوع. وعلى هذا فيجمع بين الأحاديث التي تدل على أن في المال حقاً سوى الزكاة، وبين التي تدل على أن من أدى زكاة ماله فلا يجب عليه فيه غيرها، بأن يحمل النوع الأول من الأدلة على الاستحباب والندب، ويحمل ما يخالفها على عدم الوجوب.

أما الادعاء بأن الزكاة نسخت غيرها من الحقوق والصدقات، فله وجه واحتمال، -والمراد به نسخ وجوبها-؛ وذلك لما روى عن علي وابن عباس-رضي الله عنهما- من أن

الزكاة نسخت غيرها من الحقوق والصدقات في الأموال.

١٠١ - لا يؤخذ ممن منع زكاة ماله إلا الزكاة؛ وذلك لاحتمال أن يكون حديث أخذ شطر مال مانع الزكاة منسوخاً، كما قاله جماعة من أهل العلم؛ ولعدول الصحابة -رضي الله عنهم- عن العمل به بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم-.

١٠٢ - إذا زادت الإبل على عشرين ومائة، فإنه يكون في كل خمسين حقة، وفي كل أربعين ابنة لبون، ولا يستأنف الفريضة؛ وذلك لقوة الأدلة الدالة عليه وصحتها.

أما ادعاء نسخ ما يدل على استئناف الفريضة إذا زادت الإبل على عشرين ومائة-على تقدير ثبوته وصحته-فله وجه؛ وذلك لأن الأدلة التي تدل على عدم استئناف الفريضة إذا زادت الإبل على عشرين ومائة، معها ما يدل على أنها آخر شيء في فريضة الإبل؛ لأن حديث أنس وابن عمر-رضي الله عنهما-والذين جاء فيهما ذكر فريضة الإبل يدلان على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب ذلك ولم يخرجه إلى عُمّاله حتى قبض، فأخرجه أبو بكر -رضي الله عنه- إلى عماله، فعملوا به، ثم عمر -رضي الله عنه-، فيدل ذلك على أن ذلك كان قرب وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لذلك يكون حديث أنس -رضي الله عنه- وما في معناه ناسخاً لما يخالفه.

<<  <  ج: ص:  >  >>