للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

١٥٣ - لا يجوز قتل أولاد المشركين ونسائهم إن لم يقاتلوا، لكن إن أصيبوا من غير قصد إلى قتلهم في البيات أو في اختلاطهم مع من يجوز قتلهم فلا حرج في ذلك؛ وبهذا القول يمكن أن يجمع به بين جميع الأدلة الواردة في المسألة، وإذا أمكن الجمع بين الأدلة لا يصار إلى ترك بعضها، ولا يصح فيها ادعاء النسخ.

كما أنه لم يوجد رخصة في قتل نساء المشركين وأولادهم، حتى تكون أحاديث النهي ناسخة لها، أو تكون هي منسوخة بها. وحديث الصعب بن جثامة -رضي الله عنه- لا يدل على إباحة قتلهم، بل على أنهم إن قتلوا من غير تعمد وقصد فلا جناح في ذلك.

١٥٤ - كان يجب على المسلمين أن يقاوم الواحد منهم العشرة من المشركين، ويحرم عليه الفرار منهم، ثم نسخ الله ذلك فأوجب على الواحد من المسلمين مقاومة الاثنين من الكافرين، وحرم عليه الفرار منهما، وأباح له الفرار من أكثر من اثنين، كما يفسره ما جاء عن ابن عباس -رضي الله عنه-.

فالمرفوع هو وجوب مقاومة الواحد من المسلمين للعشرة من الكافرين؛ حيث صار

الواجب مقاومة الواحد منهم للاثنين من الكافرين، وهذا هو النسخ، كما صرح به حبر الأمة ابن عباس-رضي الله عنهما-وجماعة من أهل العلم.

١٥٥ - لا يجوز تحريق العدو بالنار إذا أسر وظفر به، وذلك لأن الأدلة الدالة عليه مع صحتها صريحة في النهي عن التحريق بالنار، وأنه لا يعذب بالنار إلا رب النار.

ولأن قول من قال بنسخ ما يدل على جواز التحريق والتعذيب بالنار، قول صحيح، وله وجه؛ لأن الأحاديث الدالة على تحريم التحريق بالنار معها ما يدل على تأخرها على ما يدل على جواز التحريق بالنار؛ لذلك تكون أحاديث النهي ناسخة لما يدل على الجواز.

١٥٦ - لا يجوز الاستعانة بالمشركين على قتال المشركين عند عدم الحاجة والضرورة، ويجوز عند الضرورة والحاجة إذا أمن المسلمون خيانتهم؛ وذلك لأن الأدلة التي تدل على النهي عن الاستعانة بالمشركين على قتال المشركين صريحة وظاهرة في ذلك، بخلاف أدلة القول المعارض له. كما أن الاستعانة بهم يلزم منه مفاسد، أو يفضي إليها.

أما الاستدلال على نسخ ما يدل على عدم الاستعانة بالمشركين بخروج صفوان بن أمية -رضي الله عنه- مع النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ حيث كان ذلك في غزوة حنين، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن خرج معه ولم يسلم: «فارجع، فلن أستعين بمشرك». كان في غزوة بدر وغزوة أحد، وغزوة حنين بعد بدر وأحد، ففي الاستدلال منه على النسخ نظر؛ لأن خروج صفوان -رضي الله عنه- مع النبي -صلى الله عليه وسلم- محتمل لأمور، وليس متعيناً أن ذلك كان للاستعانة به، بل لم يكن شهوده الغزو بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

١٥٧ - لا يعطى السلب للقاتل إلا ببينة؛ لأن دليل هذا القول صريح في أن القاتل لا يُعطى السلب إلا ببينة، بخلاف دليل القول المعارض له؛ حيث إنه يحتمل أكثر من احتمال.

ولأن دليل القول المعارض له على تقدير صحة الاستدلال منه يحتمل أن يكون منسوخاً؛ لأن حديث أبي قتادة -رضي الله عنه- الدال على عدم إعطاء السلب بغير بينة متأخر عنه.

١٥٨ - يجوز التنفيل قبل إحراز الغنيمة وبعدها، فما كان قبل إحراز الغنيمة فإنه يخرج من الغنيمة بعد الخمس، وما كان بعد إحراز الغنيمة فإنه يكون من الخمس، وهذا القول يمكن أن يجمع به بين الأحاديث الواردة في المسألة، وإذا أمكن الجمع بين الأدلة لا يصح القول بالنسخ.

أما ادعاء أن إعطاء النفل من الغنيمة قد نسخ بالإعطاء من خمس الخمس، فهو وإن كان

حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- الذي استدل منه على النسخ يدل على ذلك، لكنه قول ضعيف؛ وذلك لأن ذلك الحديث مختلف في رفعه وانقطاعه، أما الأحاديث المخالفة له فهي أقوى منه وأصح بلا خلاف؛ لذلك فهو لا يقوى على معارضتها.

ثم إن حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- الذي استدل منه على النسخ، جاء فيه أن النفل جُعل من خمس الخمس بعد نزول قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}. وهذه الآية نزلت بعد غزوة بدر، وقد أعطى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك النفل من غير خمس الخمس كما يدل عليه بعض الأحاديث، وهو مما يضعف الاستدلال من ذلك الحديث على النسخ.

١٥٩ - يجوز للإمام إذا رأى المصلحة أن يمن على أسرى الكفار، فيطلقهم بدون أي عوض، أو أن يطلق سراحهم مقابل عوض مالي، أو مقابل أسارى مسلمين؛ وذلك؛ لأن الأدلة الدالة على هذا مع كثرتها وصحتها، صريحة في الدلالة على المراد بها، ويمكن أن يجمع به بين الأدلة كلها.

أما ادعاء نسخ ما يدل على المن على أسرى الكفار أو فدائهم بالمال فضعيف؛ لأنه يمكن الجمع بين الأدلة الواردة في المسألة، وإذا أمكن الجمع بين الأدلة يتعذر إدعاء النسخ.

بل قد كان من سيرته -صلى الله عليه وسلم- منذ أن أذن الله له بحرب الكفار إلى أن قبضه الله، قتل بعض أسرى الكفار، والمنّ على بعضهم، وأخذ الفداء من بعضهم. وليس في أدلتها ما يدل على نسخ بعضها بالبعض الآخر.

١٦٠ - إن مبايعة النساء يكون بالكلام لا باليد؛ لحديث عائشة، وأميمة-رضي الله عنهما-وغيره، وبعض أهل العلم لم يصحح ما روي في بيعة النساء باليد، لكن مجموع ما روي في المسألة يقوي بعضه البعض، وبالتالي يتقوى احتمال أن بيعة النساء كان باليد، ثم نسخ بالبيعة بالكلام.

١٦١ - إن تحريق متاع الغال من باب التعزير، فإن رأى الإمام المصلحة في التحريق حرق وإلا فلا؛ وذلك لأن هذا القول يمكن أن يجمع به بين الأحاديث المختلفة، وإذا أمكن الجمع بين الأحاديث تعين المصير إليه، ويتعذر معه ادعاء النسخ.

ولأن القول بنسخ ما يدل على حرق متاع الغال بأحاديث النهي عن التعرض لمال المسلم

أو بغيرها احتمال، والنسخ لا يثبت بالاحتمال.

كما أن القول بنسخ تحريق متاع الغال، أساسه القول بنسخ العقوبات المالية، لكن يقال: إن القول بنسخ العقوبات المالية ليس متفقاً عليه، ولا مجمعاً عليه، لذلك يكون في الاستلال منه على نسخ تحريق متاع الغال نظراً.

١٦٢ - إن جواز اشتراط رد النساء إلى الكفار قد نسخ، ولم ينسخ اشتراط رد من جاء من الرجال إلى الكفار في الصلح؛ لأنه ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اشترط مع المشركين رد من جاء منهم مسلماً إليهم، ثم جاء النهي بعد ذلك عن رد النساء، فنسخ به ردهن، ولم يأت ما يصرح على النهي من رد الرجال إذا اشترط ذلك في الصلح.

١٦٣ - إن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقر بعض اليهود والنصاري في الحجاز وجزيرة العرب، ثم أخرج يهود المدينة منها، وأراد أن يخرج جميع المشركين من الحجاز وجزيرة العرب، لكنه -صلى الله عليه وسلم- توفي قبل إخراجهم منها، فأوصى بإخراجهم، وأن لا يبقى في جزيرة العرب غير المسلم، فدل ذلك على نسخ سكنى الكفار بالحجاز، وأنهم لا يقرون بها للسكنى، بل يخرجون منها.

١٦٤ - إن كل واحد من المتبايعين بالخيار ما لم يتفرقا، وليس ذلك بمنسوخ؛ وذلك لأن الأدلة الدالة على هذا القول مع صحتها نصوص صريحة تدل على أن كل واحد من المتبايعين بالخيار في فسخ البيع ما لم يتفرقا، بخلاف أدلة القول المعارض له؛ فإنها أدلة عامة، وليست نصاً في نفي خيار المتبايعين، كما أنه لا يوجد ما يصرح على نسخ ما يدل على ثبوت خيار المتبايعين.

ولأنه يمكن الجمع بين هذه الأدلة كلها، وإذا أمكن الجميع بين الأدلة لا يصار إلى النسخ، ولا إلى ترك بعضها.

١٦٥ - إن من اشترى مصراة فحلبها ولم يرضها فإنه يردها ويرد معها صاعاً من تمر، وليس ذلك بمنسوخ؛ لأن الأدلة الدالة عليه مع صحتها نصوص صريحة على أن من اشترى مصراة فحلبها فلم يرضها أنه يردها ويرد معها صاعاً من تمر، بخلاف أدلة القول المخالف له؛ حيث إنها أدلة عامة، والنص الصحيح الصريح مقدم عليها.

أما ادعاء نسخ حديث المصراة فغير صحيح، وذلك لأنه إذا أمكن الجمع بين الأدلة فإنه لا يصار معها إلى النسخ، والجمع بين الأدلة هنا ممكن.

ولأنه لا يوجد دليل يدل على أن ما استُدل به على النسخ متأخر على حديث المصراة، وما ذكر من وجوه النسخ تشغيب ومجرد احتمال، والنسخ لا يثبت به.

<<  <  ج: ص:  >  >>