للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

١٦٦ - لا يجوز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة؛ لأن الأدلة الدالة عليه بمجموعها أقوى وأصح من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- الذي يدل على جواز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة.

ولأن الأحاديث الدالة على النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة صريحة في ذلك ولا تحتمل أكثر من احتمال، بخلاف ما يدل على جوازه حيث يحتمل أن يكون ذلك قبل النهي عنه فيكون قد نسخ به.

١٦٧ - لا بأس باستقراض الحيوان؛ وذلك لحديث أبي هريرة، وأبي رافع-رضي الله عنهما-، وعدم وجود ما يعارض ذلك صريحاً.

أما ادعاء نسخ ما يدل على جواز استقراض الحيوان، فغير صحيح؛ وذلك لأنه ليس عليه دليل، وإنما هو احتمال، والنسخ لا يثبت بالاحتمال.

ولأنه لا تعارض بين ما يدل على جواز استقراض الحيوان، وبين ما يدل على النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة حتى يكون ذلك النهي ناسخاً للجواز؛ لأن الاستقراض غير البيع، و على تقدير أن استقراض الحيوان يشمله النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، فإنه يكون ما يدل على استقراضه مخصصاً لعموم النهي، ومستثنى منه.

١٦٨ - يحرم ربا الفضل كما يحرم ربا النسيئة، وليس الربا منحصراً في النسيئة؛ وذلك لأن الأدلة الدالة عليه مع صحتها، وكثرتها حتى بلغت التواتر، نصوص صريحة تدل على حرمة ربا الفضل، ولا تحتمل غير ذلك. بخلاف أدلة من يقول بحصر الربا في النسيئة، فإن تلك الأدلة وردت بألفاظ مختلفة، وتحتمل غير ما احتمال.

ولأن ما يُستدل منه على حصر الربا في النسيئة ونفيه عن الفضل قد ورد بألفاظ مختلفة، لكن إن كان المقصود به حصر الربا في النسيئة، ونفيه عن الفضل فإنه يكون منسوخاً بالأحاديث الدالة على حرمة الربا في الفضل؛ لتأخرها عليه؛ لأن إحدى طرق حديث البراء -رضي الله عنه- جاء فيه ما يدل على أن ذلك-أي عدم الربا في الفضل-كان في أوائل الهجرة حين مقدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة، وقد جاء في حديث فضالة بن عبيد، وعبادة بن الصامت-رضي الله عنهما -أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ربا الفضل بعد فتح خيبر. والمتأخر يكون ناسخاً للمتقدم.

١٦٩ - يجوز بيع العرايا؛ لأن الأدلة الدالة عليه ظاهرة وصريحة في الدلالة على جواز بيع العرايا، وأنه مستثنى من النهي عن المزابنة وبيع الثمر بالتمر.

ولأنه لا تعارض بين الأحاديث الدالة على جواز بيع العرايا وبين أحاديث النهي عن المزابنة وبيع الثمر بالتمر؛ لأن مع الأحاديث الدالة على جواز بيع العرايا ما يدل على أنه مستثنى ومخصوص من المزابنة، وأن بيع العرايا رخصة رخص فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع نهيه عن المزابنة أو بعد النهي عن المزابنة، كما يدل عليه بعض الأحاديث.

أما الادعاء بأن الأحاديث الدالة على جواز بيع العرايا منسوخة بالنهي عن المزابنة وبيع الثمر بالتمر فغير صحيح؛ لأن مع الأحاديث الدالة على جواز بيع العرايا ما يدل على أن ذلك كان بعد النهي عن المزابنة وبيع الثمر بالتمر، ولا يصح كون المتقدم ناسخاً للمتأخر بلا خلاف.

١٧٠ - إن العارية مستحبة ومندوب إليها، وليست واجبة على الأصل؛ وذلك للأدلة التي تدل على أنه لا يجب في المال حق سوى الزكاة، ويحتمل أن يراد بأدلة القول المعارض له وجوب العارية عند الضرورة، وهو لا ينافي استحبابها؛ لأن الأصل فيها هو الاستحباب، وقد تجب عند الضرورة لأجل الضرورة.

ولاحتمال أن يكون ما يستدل منها على وجوبها منسوخاً بما يستدل منها على عدم وجوبها، كما قرره بعض أهل العلم.

١٧١ - للمرتهن أن ينفق على الرهن، ويركب ويحلب بقدر نفقته متحرياً للعدل في ذلك؛ وذلك لأن الدليل الدال عليه مع صحته صريح في الدلالة عليه، وهو دليل خاص، فيكون مخصصاً لعموم ما يخالفه.

أما ادعاء نسخ ما يدل على أن للمرتهن أن ينفق على الرهن، ويركب ويحلب بقدر نفقته، فغير صحيح؛ لإمكان الجمع بين الأدلة، وعدم العلم بأن ما يدل على عدم جواز انتفاع المرتهن من الرهن بالحلب والركوب مقابل النفقة متأخر عما يدل على جوازه.

١٧٢ - إن كسب الحجام وأجره مباح وحلال مع أن التنزه عنه أولى؛ وذلك لأن أدلة هذا القول تدل على حل كسب الحجام وأجره، وهي صحيحة وغير محتملة إلا هذا المعنى. بخلاف أدلة القول المعارض له؛ حيث إنها تحتمل أن يكون المراد بها التحريم، وتحتمل أن يكون المراد بها التنزيه، وحمله على هذا الاحتمال أولى جمعاً بين الأدلة كلها.

ولأن أدلة القول المعارض له إن كان المراد بها التحريم فإنها تكون منسوخة بما يدل على إباحة كسب الحجام وأجره. ويدل على تأخر ما يدل على الجواز حديث محيصة -رضي الله عنه-؛ حيث إن الأمر فيه بإطعامه الرقيق كان بعد النهي عن أجره.

١٧٣ - لا يجوز بيع الحر في الدين، وإن الأحاديث التي رويت في بيع الحر في الدين وإن صحح بعضها بعض أهل العلم، إلا أن جميعها متكلم فيها، فإن صح منها شيء فتكون منسوخة بالأدلة التي تدل على أن المفلس والمديون الذي لا يجد من المال ما يوفى منه ديونه لا يباع في الدين، بل إن الغرماء يأخذون ما يجدون، وينتظرون ميسرته فيما لا يجدون، وأنه ليس لهم إلا ذلك.

١٧٤ - لا يجوز أن يبيع حاضر لباد؛ وذلك لأن الأدلة الدالة عليه نصوص صريحة تدل على عدم جواز أن يبيع حاضر لباد، بخلاف أدلة القول المخالف له.

ولأن هذا القول يمكن أن يجمع به بين الأدلة الواردة في المسألة كلها، وذلك لأن أدلة هذا القول أدلة خاصة، وأدلة القول المخالف له أدلة عامة، فيعمل على العام فيما عدا محل الخصوص.

أما ادعاء نسخ ما يدل على نهي أن يبيع حاضر لباد، فغير صحيح؛ وذلك لإمكان الجمع بين الأدلة، وعدم وجود ما يدل على أن أحاديث (الدين النصيحة) متأخرة على أحاديث النهي عن بيع الحاضر للباد، ودعوى النسخ إنما تصح عند العلم بتأخر الناسخ.

١٧٥ - لا يجوز بيع الكلب، ولا يحل ثمنه؛ وذلك للأحاديث الدالة على عدم حل ثمن الكلب، وعلى النهي عنه مطلقاً، مع صحة تلك الأحاديث وصراحتها، وكثرتها حتى بلغت التواتر.

أما ادعاء نسخ النهي عن ثمن الكلب فغير صحيح؛ لأن الاستدلال على نسخ النهي عن ثمن الكلب بنسخ الأمر بقتله احتمال، ولا يوجد ما يصرح به، والنسخ لا يثبت بالاحتمال.

كما أن الأحاديث المعارضة لما يستدل منه على النسخ أقوى وأصرح؛ لذلك فما يستدل منه على النسخ لا يقوى على نسخها.

١٧٦ - إن الأولى والأفضل لمن معه فضول أراضين أن يمنحها أخاه ولا يأخذ عليها خراجاً وأجرة معلومة؛ ثم الأفضل من اكترائها ببعض ما يخرج منها اكترائها بالثمن والنقود؛ وذلك لدلالة حديث ابن عباس ورافع بن خديج-رضي الله عنهم- على ذلك.

لكن يجوز المزارعة واكتراء الأرض ببعض ما يخرج منها إذا كان ذلك مشاعاً، ولم يكن بجزء معين من الأرض كالماذيانات والسواقي؛ وذلك جمعاً بين ما يدل على النهي عن المزارعة واكتراء الأرض وبين ما يدل على جوازها.

أما ادعاء نسخ ما يدل على جواز المزارعة وكراء الأرض ببعض ما يخرجها فغير صحيح، وذلك لإمكان الجمع بين الأحاديث الواردة في المسألة، ومع إمكان الجمع يتعذر ادعاء النسخ.

كما أن من شرط الناسخ تأخره على ما يخالفه، وهذا مما لا يصح ادعاؤه في هذه المسألة؛ لإعطاء النبي -صلى الله عليه وسلم- أرض خيبر ليهود خيبر على شطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، وعمل بذلك حتى الموت، والنسخ إنما يكون في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- لا بعد موته.

أما ادعاء نسخ ما يدل على النهي عن المزارعة وكراء الأرض ببعض ما يخرج منها فغير صحيح كذلك؛ لأن الجمع بين ما ورد في النهي عن المزارعة واكتراء الأرض وبين ما ورد في جوازها ممكن كما سبق بيانه. ومع إمكان الجمع بين الأدلة لا يصح ادعاء النسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>