للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

١٨٨ - يجوز العزل لكنه مكروه، وبهذا يجمع به بين جميع الأدلة الواردة في المسألة، وإذا أمكن الجمع بين الأدلة لا يصار معه إلى غيره.

أما ادعاء النسخ في المسألة فغير صحيح؛ وذلك لعدم وجود ما يدل على تأخر دليل أحد القولين على دليل القول الآخر، وإمكان الجمع بين الأدلة كلها.

١٨٩ - إن الأحاديث التي جاء فيها النهي عن ضرب النساء إن كان المراد بالنهي فيها نهي تنزيه وأنه خلاف الأولى، فالقول بعدم النسخ أولى؛ لأنه أمكن الجمع بين هذه الأدلة كلها، بحمل ما يدل على الضرب على الجواز، وحمل ما يدل على النهي عن خلاف الأولى وعلى الكراهة.

وإن كان المراد بالنهي في هذه الأحاديث نهي تحريم، فيكون هذا النهي منسوخاً بما يدل على جواز ضربهن للتأديب وعند نشوزهن؛ وذلك لأن الآية الكريمة محكمة وهي تدل على جواز ضربهن عند النشوز.

والذي يقوى احتمال نسخ النهي عن ضربهن ورود لفظ الرخصة والإذن في ضربهن، بعد النهي عن ضربهن. وكف الصحابة-رضي الله عنهم- عن ضربهن حين نهوا عنه حتى رُخِّص لهم فيه وأذن.

١٩٠ - لا يحصل التحريم بأقل من خمس رضعات؛ وذلك لأن هذا القول يمكن أن يجمع به بين جميع الأدلة الواردة في المسألة؛ وذلك لأن الأدلة التي تدل على عدم حصول التحريم بأقل من خمس رضعات نص صريح في المسألة، والأدلة التي تنص على عدم التحريم بالرضعة و الرضعتين، خرجت في جواب سؤال؛ لذلك فهي ليست معارضة لما تنص على عدم التحريم بأقل من خمس رضعات، ثم مجموع تلك الأحاديث مقيدة ومفسرة ومبينة للأدلة المطلقة التي ليس فيها ذكر للقدر المحرم من الرضاعة، كالآية الكريمة، وحديث عقبة بن الحارث -رضي الله عنه- ونحوه.

ثم إن القول بأن التحريم كان بعشر رضعات معلومات، ثم نسخ ذلك بخمس رضعات معلومات فصحيح؛ لأن حديث عائشة-رضي الله عنها-نص صريح فيه.

ولا يصح قول من قال بنسخ ما يدل على عدم حصول التحريم بأقل من ثلاث رضعات أو بأقل من خمس رضعات؛ لأنه ليس له مستند لا من الكتاب ولا من السنة.

كما لا يصح قول من قال بنسخ ما يدل على التحريم بأقل من خمس رضعات بالأحاديث التي تدل على عدم التحريم بأقل من خمس رضعات؛ لأنه لا تعارض بين تلك الأحاديث كلها؛ حيث أمكن الجمع بينها.

١٩١ - لا يثبت الحرمة برضاع الكبير؛ وذلك لأن أدلة هذا القول كثيرة، وأكثرها صحيحة وصريحة، بخلاف أدلة القول المعارض له؛ حيث إنها لا تبلغ هذا المبلغ.

ولأن الحديث في قصة سالم لا يخلو من أحد احتمالين هما: أن يكون خاصاً به، كما صرحت به أم سلمة وغيرها من أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- غير عائشة، وتكون الأحاديث المعارضة له دالة على أنه خاص به. أو أن يكون منسوخاً بالأحاديث التي تعارضه.

ولا يوجد دليل صريح يدل على أن ما يدل على حصول الحرمة برضاع الصغير دون الكبير متأخر على ما يدل على حصول الحرمة برضاع الكبير، إلا أن القول بنسخ ما يدل على حصول الحرمة برضاع الكبير، له وجه واحتمال، وذلك لأن ممن روى ما يدل على حصر الحرمة برضاع الصغير، أبو هريرة وابن عباس -رضي الله عنهم-، وهما أسلما ولقيا النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد قصة رضاع سالم.

١٩٢ - إن الكافرة لها حق في حضانة ولدها المسلم ما لم يعقل الدين أو يخف عليه من تأليف الكفر؛ وذلك لحديث رافع بن سنان -رضي الله عنه-.

أما ادعاء نسخ حديث سنان -رضي الله عنه- فضعيف؛ وذلك لأن الآية التي يستدل بها على النسخ عامة، والحديث خاص، ثم لا يوجد ما يدل على تأخرها عليه.

١٩٣ - لا خلاف بين أهل العلم في أن الطلاق محصور بعدد، وأنه ليس للزوج مراجعة زوجته بعد الطلقة الثالثة إلا أن تنكح زوجاً غيره.

وكان في الجاهلية عدم حصر الطلاق بعدد، وقد عمل به بعض المسلمين في أول الأمر، ثم جاء الشرع بخلافه، فنسخ به الحكم السابق، كما صرح به ابن عباس -رضي الله عنه-.

ولأن البعض من الروايات المذكورة يفهم منه تقرير النبي -صلى الله عليه وسلم- لبعض المسلمين ممن عمل نحو هذا العمل، ثم نزلت الآية ونسخ ذلك الحكم، وجاءت السنة مفسرة للكتاب.

١٩٤ - يقع طلاق الثلاث لمن طلق امرأته ثلاثاً معاً؛ لحديث سهل بن سعد، وابن عمر، وعبادة، وركانة-رضي الله عنهم-فإنها تدل على وقوع الطلاق الثلاث لمن طلق ثلاثاً مجموعة، وهي وإن كان في بعضها ضعفاً إلا أنها بمجموعها تقوى وتدل على ثبوت وقوع الطلاق الثلاث معاً.

ولأن لفظ الطلقات الثلاث معاً يحتمل الثلاث، كما يدل عليه أقوال الصحابة-رضي الله عنهم-، وقد أراده من تلفظ به، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى».

ولأن أدلة القول القائل بوقوع واحدة لمن طلق ثلاثاً معاً، من الأحاديث وإن كانت صحيحة، إلا أنها تتطرق إليها احتمالات عدة مما يضعف وجه الاستدلال بها.

ولأن القول بنسخ جعل الثلاث واحدة، له وجه؛ لأن الصحابة في عهد عمر -رضي الله عنه- أجمعوا على إجازة الطلاق الثلاث لمن طلق امرأته ثلاثاً معاً، فيدل إجماعهم ذلك على وجود ناسخ، وإن خفي عن بعضهم قبل ذلك حتى ظهر لجميعهم في عهد عمر -رضي الله عنه-.

ويؤيد ذلك ترك ابن عباس -رضي الله عنه- لما رواه، وإفتاؤه لمن طلق ثلاثاً معاً، بأنه عصى الله وبانت منه زوجته.

١٩٥ - إن المرأة إذا أسلمت ثم انتظرت ولم تنكح زوجاً غيره حتى أسلم زوجها، فإنها ترد إليه بالنكاح الأول إذا رضيت؛ وذلك لكثرة أدلة هذا القول مع صحتها وصراحتها في الدلالة، بخلاف أدلة الأقوال الأخرى فإن منها ما هو صحيح غير صريح، ومنها ما هو صريح غير صحيح، ومنها ما هو محتمل لأكثر من احتمال.

ولأن هذا القول يمكن أن يجمع به بين ما صح من الأدلة الواردة في المسألة كلها، بخلاف الأقوال الأخرى، وذلك بحمل أدلة هذا القول على ما إذا انتظرت ولم تنكح زوجاً غيره حتى أسلم زوجها، فإنها ترد إليه بالنكاح الأول إذا رضيت. وحمل أدلة الأقوال الأخرى على حصول الحرمة بينهما بمجرد إسلام أحدهما، لكنها لا تمنع من ردها إليه بالنكاح الأول إذا رضيت ولم تنكح زوجاً غيره، سواء انقضت عدتها أم لا.

أما ادعاء نسخ ما يدل على رد المرأة إلى زوجها بالنكاح الأول إذا أسلمت وتأخر إسلام زوجها حتى ولو لم تنكح زوجاً غيره، فغير صحيح؛ وذلك لأنه يمكن الجمع بين الأدلة الواردة في المسألة، كما سبق بيانه، وإذا أمكن الجمع بين الأدلة فإنه لا يصار معه إلى النسخ.

ولأنه قد أسلمت نساء بعد نزول الآية الكريمة وتأخر إسلام أزواجهن، ومع ذلك فإنهن رددن إلى أزواجهن بالنكاح الأول، فلو كانت الآية الكريمة ناسخة لردهن إلى أزواجهن بالنكاح الأول، لما صح ردهن إليهم.

١٩٦ - يجوز أخذ الفدية في الخلع؛ ويدل على ذلك الكتاب والسنة، ولا يصح القول بنسخ أخذ الفدية في الخلع لأنه لا دليل عليه.

١٩٧ - لا خلاف بين أهل العلم في أن الظهار غير الطلاق، وأنه تحريم موقت يوجب الكفارة بخلاف الطلاق؛ وذلك لغير ما دليل يدل عليه.

ويظهر-والله أعلم بالصواب-من مجموع الروايات الواردة في المسألة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرر كون الظهار طلاقاً يحصل به الحرمة والفراق، حتى أنزل الله آيات الظهار، فجعله تحريماً موقتاً وموجباً للكفارة، ورافعاً للحكم السابق، فنسخ به كون الظهار طلاقاً.

١٩٨ - إن مدة حداد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً، إذا توفي زوجها ولم تكن حاملاً؛ وذلك للأحاديث الكثيرة التي تدل على ذلك.

أما حديث أسماء بنت عميس-رضي الله عنها-الذي يدل على مدة حدادها على الزوج ثلاثة أيام، فبعض أهل العلم ضعفه، وبعضهم صححه، وهو على كل حال لا يقاوم الأحاديث الصحيحة الثابتة، وإذاً فالحكم لتلك الأحاديث لا لحديثها، لكنه على تقدير الصحة محتمل لأن يكون منسوخاً بالأحاديث المعارضة له، ويؤيده إجماع أهل العلم على القول بموجبها لا بموجبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>