للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

١٩٩ - إن الوصية من النفقة والسكنى للمتوفى عنها زوجها، قد نسخ؛ وذلك لأن هذه الوصية كانت قبل نزول المواريث، وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث. فتكون آية المواريث والأحاديث التي تدل على عدم الوصية للوارث ناسخة لهذه الوصية.

لكن لا يلزم من نسخ هذه الوصية أن المتوفى عنها زوجها لا تعتد في البيت الذي توفي زوجها وهي ساكنة فيه.

٢٠٠ - تدل إحدى الآيتين على أن المتوفى عنها زوجها كان عليها أن تعتد سنة، والآية الآخر تدل على أنها تعتد أربعة أشهر وعشراً، وهي متأخرة في النزول، فتكون ناسخة للآية الأولى ويؤكدها غير ما حديث؛ حيث جعل الإحداد لها على زوجها المتوفى أربعة أشهر وعشراً، مدة عدتها من الوفاة.

٢٠١ - إن المتوفى عنها زوجها لا تنتقل من بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله؛ وذلك لأن حديث فريعة-رضي الله عنها-نص صريح في المسألة، ويؤيدها ما روي عن زيد بن طلحة، ومجاهد. بخلاف أدلة القول المعارض له؛ فإنها تحتمل أكثر من احتمال.

ولأنه لا يوجد دليل على أن الآية التي يستدل منها على نسخ أن تعتد المتوفى عنها زوجها في بيت زوجها متأخر على حديث الفريعة-رضي الله عنها- حتى تكون ناسخة للحكم الذي يدل عليه حديث الفريعة-رضي الله عنها-.

ولأن القول بنسخ ما يدل على خروج المتوفى عنها زوجها عن بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله أقوى من القول بنسخ ما يدل على عدم الخروج؛ وذلك لأن آية التربص هي الناسخة لآية الإخراج، وحديث الفريعة موافق لتلك الآية، فيكون فيه نوع من الدلالة على نسخ ما يدل على خروجهن قبل أن تنقضي عدتها.

٢٠٢ - لا يقتل مسلم بكافر أي كافر كان؛ وذلك لكثرة الأدلة الدالة عليه، وصراحتها في عدم قتل المسلم بالكافر، من دون فرق بين كافر وكافر. بخلاف أدلة القول المعارض له؛ حيث إن بعضها غير صحيح، وبعضها أدلة عامة، فتكون الأدلة الدالة على عدم قتل المسلم بالكافر مخصصة لعمومها.

ثم على تقدير صحة ما يدل على قتل المسلم بالكافر فإنه يكون منسوخاً بما يدل على عدم قتل المسلم بالكافر؛ لتأخره عليه.

٢٠٣ - إن حديث سمرة -رضي الله عنه- الدال على قتل السيد بعبده، وكذلك الأحاديث التي يستدل منها على عدم قتل السيد بعبده، كلها متكلم فيها، لكن الأدلة العامة من الكتاب والسنة تدل على تكافئ دماء المسلمين، وعلى قتل المسلم بالمسلم، وهي تشمل قتل السيد بعبده؛ لذلك يكون القول بقتل السيد بعبده أرجح من حيث الأدلة على القول المعارض له.

أما ادعاء نسخ ما يدل على قتل السيد بعبده فضعيف؛ لأن الأدلة التي يستدل منها على النسخ كلها ضعيفة ومتكلم فيها.

كما أنه لا يوجد ما يدل على تأخر تلك الأدلة على الأدلة التي يستدل منها على قتل السيد بعبده، والنسخ لا بد فيه من دليل يدل على تأخر الناسخ.

٢٠٤ - لا خلاف بين أهل العلم في النهي عن المثلة وتحريمها ابتداء، واختلفوا في جوازها قصاصاً أعني قتل القاتل كما قتل قصاصاً، اختلفوا فيها على قولين. لكن الذي يظهر -والله أعلم بالصواب-عدم جواز المثلة ابتداء ولا قصاصاً، وأن ما يدل على جوازها فإن ما يدل على النهي عنها متأخر عنها.

٢٠٥ - يجوز أن يقتل بمثل ما قتل إلا إذا كان القاتل مثَّل بالمقتول أو قتله بما يحرم لذاته، فلا يمثل به ولا يقتل بما هو محرم لذاته بل يقتل بالسيف؛ لأن الأحاديث في النهي عن المثلة كثيرة وصحيحة، وهي تدل على النهي عن المثلة مطلقاً، وليس فيها ما يدل على جوازها قصاصاً، بل نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المثلة في غير ما حديث، ولم يأت في أي رواية أنه استثنى من ذلك المثلة قصاصاً.

ولأنه يفهم من مجموع طرق حديث أنس -رضي الله عنه- في قصة العرنيين النهي عن المثلة حتى ولو كانت قصاصاً؛ لذلك كان القول بنسخ المثلة ولو قصاصاً أقوى وأرجح، ويؤيد ذلك حديث عمران بن حصين -رضي الله عنه- (ما خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطبة إلا أمرنا بالصدقة، ونهانا عن المثلة).

٢٠٦ - لا يستقاد من الجرح حتى يبرأ؛ وذلك لأن القول بنسخ ما يدل على جواز استيفاء القصاص من الجرح قبل اندماله، صحيح؛ وذلك لأن النهي عن استيقاد الجرح قبل برئه جاء بعد ذلك، كما صرح به في رواية لحديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه-، فيكون ذلك ناسخاً لما يخالفه.

٢٠٧ - إن المرتد إن لم يتب فإنه يجب قتله؛ وذلك للأدلة الكثيرة التي تدل على قتل المرتد ومن بدل دينه، وأنه قضاء الله ورسوله.

أما القول بأن قتل المرتد كان حراماً حتى بعث علي -رضي الله عنه- بذهيبة من اليمن، وقسم ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- بين أربعة نفر، ثم نسخ ذلك بعد ذلك ووجب قتله، فغير صحيح؛ وذلك لأن عدم قتل النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن صدر منهم بعض الكلمات التي تبيح قتله لم يكن لأن قتل المرتد كان حراماً، بل لئلا يتحدث الناس أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- يقتل أصحابه، ولأنه كان يصلي.

كما أن الأمر بقتل المرتد مقدم على بعث علي -رضي الله عنه- بذهيبة من اليمن؛ لأن معاذ -رضي الله عنه- بعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن قبل علي -رضي الله عنه- وهو بين لما التقى مع أبي موسى -رضي الله عنه- أن قتل المرتد قضاء الله ورسوله، فهو مما يبطل قول النسخ.

٢٠٨ - إنه يثبت من مجموع الأدلة أنه كان في أول الإسلام حد الزانية والزاني الحبس والأذى، ثم نسخ الله ذلك، فجعل حد البكر جلد مائة ونفي سنة، وجعل حد الثيب جلد مائة والرجم. فثبت من ذلك نسخ حد الحبس والأذى عن الزانيين.

٢٠٩ - ينفى الزاني البكر من الأحرار، ولا ينفى الرقيق؛ وذلك لأحاديث كثيرة و صحيحة، تدل على نفي الزاني البكر، وهي عامة تشمل الرجل والمرأة، وورود أحاديث في حد الأمة من دون ذكر النفي، وهو مما يدل على الفرق بين الأحرار والعبيد.

أما الادعاء بأن تغريب الزاني البكر قد نسخ، فغير صحيح؛ وذلك لعدم وجود أي دليل يدل على النسخ.

ولأن الخلفاء بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- غربوا، كما في حديث ابن عمر -رضي الله عنه-، ولم ينكر عليهم منكر، ولو كان التغريب منسوخاً لما عملوا به.

٢١٠ - يرجم الثيب الزاني، ولا يجلد؛ وذلك لأن أدلة هذا القول جاءت من طرق مختلفة، ولم يذكر في شيء منها الجلد، وذكر في غير واحد منها الأمر بالرجم، فدل ترك ذكره على عدم وقوعه، وعدم وقوعه يدل إما على أنه لم يجب أصلاً، أو على أنه كان ثم ترك.

ولأن أدلة هذا القول تدل على رجم الزاني المحصن دون جلده، ثم يوجد معها ما يدل على تأخرها على ما يدل على جلد الزاني المحصن، فتكون ناسخة له.

٢١١ - إن الأمة تحد إذا زنت سواء أحصنت بزوج أم لا؛ وذلك لأن أدلة هذا القول كثيرة وصحيحة، ثم منها ما هو نص صريح في المسألة، بخلاف أدلة القول المعارض له؛ حيث إن بعضه محتمل لأكثر من معنى، وبعضه مختلف في رفعه ووقفه، ومثل هذا لا يقوى على معارضة الأحاديث الصحيحة الصريحة.

ولأن حديث ابن عباس -رضي الله عنه- الذي يدل على عدم حد الأمة إذا زنت ولم تكن محصنة بزوج، إن صح مرفوعاً فيحتمل أنه كان أولاً، فيكون منسوخاً بالأحاديث التي تدل على إقامة الحد على من زنى من الرقيق سواء كان محصناً أم لا.

٢١٢ - يرجم من زنى بجارية امرأته إلا أن يدعي شبهة؛ وذلك لأن أدلة هذا القول كثيرة وصحيحة بلا خلاف، أما حديث سلمة بن المحبق -رضي الله عنه- الذي يدل على عدم إقامة الحد عليه، فمتكلم فيه، فلا يقوى على معارضة تلك الأحاديث، وإن صح فإنه يكون منسوخاً بما يعارضه؛ لوجود ما يدل على تأخر تلك الأحاديث عليه.

٢١٣ - يرجم من زنى من أهل الذمة إذا كان ثيباً، ورفعوا الحكم إلى حاكم مسلم؛ وذلك لأن أدلة هذا القول أكثرها صحيحة، ثم هي صريحة في رجم الزانيين المحصنين من اليهود، بخلاف أدلة القول المعارض له؛ حيث لا يصح منها إلا رواية ابن عمر -رضي الله عنه-، وهو قد اختلف في رفعه ووقفه، ثم يحتمل أكثر من احتمال.

أما ادعاء نسخ رجم النبي -صلى الله عليه وسلم- للزانيين المحصنين من اليهود، فغير صحيح؛ وذلك لأنه لا يوجد دليل صحيح صريح يدل على ذلك، وكل ما ذكر فهو احتمال، ثم يوجد من الأدلة ما يدل على تأخر رجمهم حتى بعد نزول الحدود.

ولأن رجم اليهوديين الزانيين، جاء فيه روايات كثيرة، ويثبت من مجموعها تعدد واقعة الرجم، وأن بعضها إن كان حصل في أول الهجرة، فإن بعضها الآخر حصل متأخراً حتى بعد فتح مكة، وهو مما يبطل دعوى النسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>