للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٢١٤ - يحد شارب الخمر ولو شرب مراراً ولا يقتل؛ وذلك لما صح وثبت من أن الأدلة التي تدل على قتل شارب الخمر بعد المرة الرابعة قد نسخت، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- جلد شارب الخمر بعد المرة الرابعة ولم يقتله.

٢١٥ - لا يقطع يد من جحد العارية؛ وذلك لأن الأحاديث التي جاء فيها ذكر قطع يد من جحد العارية وإن كانت صريحة في ذلك، إلا أنه يظهر من جمع طرق هذه الأحاديث ما يدل على أن القطع كان بسبب السرقة، وأن تلك المرأة كانت تجحد العارية ومع ذلك قد سرقت، فقطع النبي -صلى الله عليه وسلم- يدها بالسرقة، وأن بعض الرواة رووا الحديث مختصراً على ذكر جحد العارية، لذلك أوهم بعض أهل العلم بأن القطع كان بجحد العارية، وأن القطع كان لامرأتين إحداهما بالسرقة، والأخرى بجحد العارية.

أما ادعاء نسخ ما يستدل منه على قطع جاحد العارية، فغير صحيح؛ وذلك لأن القطع كان بسبب السرقة لا بجحد العارية حتى يقال بنسخه.

كما أنه لا يوجد ما يدل على تأخر ما استدل منه على النسخ، على ما استدل منه على قطع اليد بجحد العارية، والنسخ لا بد فيه من دليل يدل على تأخر الناسخ.

٢١٦ - لا يقتل السارق إذا سرق بعد المرة الرابعة؛ وذلك للأحاديث التي تدل على عدم جواز قتل المسلم إلا بإحدى ثلاث، وليس فيها ذكر القتل بالسرقة؛ فإن تلك الأحاديث بعمومها تشمل السارق إذا سرق المرة الخامسة.

ثم إنه لا يوجد ما يصرح على نسخ ما استدل منه على قتل السارق بعد المرة الخامسة، لكنه محتمل على تقدير صحة تلك الأحاديث، وعلى تقدير أن المراد بها قتل السارق بعد المرة الخامسة، ويؤيد احتمال النسخ، ما هو شبه الإجماع على أنه لا يقتل السارق بعد المرة الخامسة.

٢١٧ - يجوز التعزير والعقوبة بالمال، وإنه لم ينسخ مطلقاً؛ وذلك لأنه وإن وجد نسخ التعزير والعقوبة بالمال في بعض الصور، فإنه لا يلزم منه نسخ ذلك مطلقاً، ولذلك عمل الخلفاء به بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو مما يبطل دعوى نسخه مطلقاً.

ولأن الأدلة التي استُدل منها على نسخ التعزير والعقوبة بالمال مطلقاً، أدلة عامة، وما يدل على جواز التعزير والعقوبة بالمال، أدلة خاصة، والجمع بين العام والخاص ممكن، وذلك بحمل العام على ما عدا محل الخصوص. وإذا أمكن الجمع بين الأدلة لا يصار إلى القول بالنسخ.

٢١٨ - يجب على من كتم ضالة الإبل غرامتها ومثلها معها؛ وذلك لأن أدلة هذا القول أدلة خاصة، وأدلة القول المعارض له أدلة عامة، والجمع بينهما ممكن بحمل العام على ما عدا محل الخصوص، ويؤيد ذلك عمل عمر -رضي الله عنه- به بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ولا يصح القول بنسخ ما يدل على أخذ المثل مع الغرامة في ضالة الإبل المكتومة؛ وذلك لإمكان الجمع بين الأدلة، وإذا أمكن الجمع بين الأدلة فإنه لا يصار معه إلى القول بالنسخ.

ولأن عمر -رضي الله عنه- قد عمل على وفق ما يدل على أخذ المثل مع الغرامة في ضالة الإبل المكتومة، وهو مما يبطل القول بنسخه.

٢١٩ - إن من سرق من الثمر المعلق فإن عليه الغرامة بالمثلين؛ وذلك لأن دليله نص صريح في المسألة، بخلاف أدلة القول المعارض له، فإنها أدلة عامة، وليست نصاً صريحاً فيها، ثم يمكن الجمع بينهما بحمل العام على ما عدا محل الخصوص؛ ولذلك يكون القول بنسخ ما يدل على أخذ المثلين في سرقة الثمر المعلق غير صحيح؛ لأن النسخ إنما يصار إليه عند تذر الجمع بين الأدلة.

ولأنه لا يوجد ما يدل على النسخ، وما ذكر احتمال، والنسخ لا يثبت به.

٢٢٠ - لا يجوز الزيادة على عشرة أسواط في غير الحدود؛ وذلك لأن أدلة القول المعارض له و إن كانت أكثر إلا أن كلها متكلم فيها، وحديث أبي بردة -رضي الله عنه- الدال على عدم الزيادة على عشرة أسواط في غير الحدود، أصح ما في المسألة، لذلك فهي لا تقاوم حديثه.

أما ادعاء نسخ ما يدل على عدم جواز الضرب فوق عشرة أسواط في غير الحدود، فغير صحيح؛ وذلك لأنه لا يوجد إجماع في المسألة حتى يستدل منه على النسخ، وما ذكر احتمال والنسخ لا يثبت به.

ولأن الأحاديث التي يستدل منها على النسخ كلها متكلم فيها، فهي لا تقوى على معارضة حديث أبي بردة -رضي الله عنه- ولا على نسخه.

٢٢١ - يجوز استعمال القرعة في الحكم؛ وذلك لكثرة الأدلة التي تدل عليه من الكتاب والسنة، مع صحتها وصراحتها، بخلاف أدلة القول المعارض له؛ فإن منها ما هو غير صحيح، ومنها ما هو غير صريح في المسألة.

أما ادعاء نسخ ما يدل على استعمال القرعة في الحكم، فغير صحيح؛ وذلك لأن الأدلة التي استُدل منها على النسخ، بعضها غير صحيح، وبعضها مع أنها غير صريحة في المسألة متقدمة على ما يدل على استعمال القرعة في الحكم، والنسخ لا بد فيه من تأخر الناسخ.

٢٢٢ - يجوز شهادة أهل الكتاب على المسلمين في السفر إذا كانت وصية، ولم يوجد أحد من المسلمين؛ وذلك لدلالة الكتاب والسنة عليه، وكذلك قضاء بعض الصحابة-رضي الله عنهم- على وفقه، ولم ينقل عن بقية الصحابة-رضي الله عنهم-إنكاره، فكان كالإجماع عليه.

ولأن أدلة هذا القول أدلة خاصة، وأدلة القول المعارض له أدلته أدلة عامة، ولا تعارض بينهما، فيعمل على العموم فيما عدا محل الخصوص.

أما ادعاء نسخ ما يدل على جواز شهادة أهل الكتاب على المسلمين في السفر إذا كانت وصية، ولم يوجد أحد من المسلمين، فغير صحيح؛ وذلك لإمكان الجمع بين الأدلة، وعدم وجود دليل يدل على تأخر ما يستدل منه على النسخ على ما يخالفه، والنسخ لا بد فيه من دليل يدل على تأخر الناسخ.

٢٢٣ - يحرم لبس الحرير والديباج للرجال، وأن ما يدل على جوازه فإنه قد نسخ؛ وذلك للأحاديث الكثيرة الصحيحة التي تدل على النهي عن لبس الحرير، وأن لبس النبي -صلى الله عليه وسلم- له كان قبل النهي عنه.

٢٢٤ - يجوز تحلي النساء بالذهب؛ وذلك لأحاديث كثيرة تدل على جواز تحليهن به.

ثم الأحاديث التي تدل على إباحة تحلي النساء بالذهب وإن لم يوجد فيها ما يدل على تأخرها على الأحاديث التي تدل على تحريم تحليهن به، إلا أن إجماع أهل العلم على جواز تحليهن به، يدل على تأخر ما يدل على الإباحة؛ لأن إجماع أهل العلم على حكم مسألة يدل على نسخ ما يخالفه.

٢٢٥ - لا يجوز لبس خاتم الذهب للرجال؛ وذلك للأحاديث الصحيحة الكثيرة التي تدل على النهي عن لبس خاتم الذهب للرجال.

ولأن النهى عن لبس خاتم الذهب متأخر عما يدل على جواز لبسه، فيكون النهي ناسخاً لما يخالفه.

٢٢٦ - يجوز التختم في اليمين وفي اليسار؛ وذلك لصحة الحديث فيهما، وإن كان الأحاديث الواردة في اللبس في اليمين أكثر.

أما ادعاء نسخ ما يدل على لبس الخاتم في اليمين، فضعيف لضعف الحديث الذي يستدل منه على ذلك، ويؤكد ضعفه أن غير واحد من الصحابة-رضي الله عنهم-بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يلبس الخاتم في اليمين، ويذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتختم في اليمين.

٢٢٧ - يجوز الرقية من غير كراهة إذا لم يكن فيها شرك؛ وذلك لأحاديث كثيرة صحيحة وصريحة، قولية وفعلية، تدل على جواز الرقية.

والقول بنسخ ما يدل على النهي عن الرقية قوي؛ لأن الأمر بالرقية متأخر عن النهي عنها ويدل على صحة قول النسخ بأن الصحابة-رضي الله عنهم-فهموا من النهي في تلك الأحاديث، النهي عن الرقية مطلقاً، ولو كان النهي خاصاً بالرقية الشركية لما انتهوا عنها مطلقاً، ولبين لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينما قالوا له: (إنك نهيت عن الرقى) بأنه إنما نهى عما فيها الشرك.

<<  <  ج: ص:  >  >>