للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٢٢٨ - إن حديث الشريد، وأبي هريرة-رضي الله عنهما-الدالان على اجتناب المجذوم والفرار منه أقوى من حديث جابر، وأبي ذر، وابن عباس -رضي الله عنهم-والتي يستدل منها على عدم الفرار والاجتناب عن المجذوم، إلا أن هذه الأحاديث تتقوى بحديث نفي العدوى؛ لأنه عام، فيشمل بعمومه نفى العدوى من الجذام، وإذا كان كذلك فإنه يدل كذلك على عدم الاجتناب من المجذوم. والأحاديث في نفي العدوى صحيحة وكثيرة.

أما ادعاء نسخ ما يستدل منه على الاجتناب والفرار من المجذوم، بالأحاديث التي يستدل منها على عدم الاجتناب والفرار منه، فاحتمال، والأولى منه هو القول بالجمع بين تلك الأحاديث كلها؛ لأنه إذا أمكن الجمع بين الأحاديث فإنه لا يصار معه إلى ادعاء النسخ.

ثم إن لأهل العلم لهم مسالك في الجمع بين تلك الأحاديث، إلا أن الأولى منها هو المسلك القائل بحمل ما يدل على نفي العدوى، على نفيها أصلاً ورأساً، وحمل ما يدل على المجانبة عن المجذوم على حسم المادة، وسد الذريعة؛ وذلك لأن فيه مع الجمع بين تلك الأحاديث، بقاء لعموم النفي الذي يدل عليه إطلاق أحاديث نفي العدوى.

٢٢٩ - يجوز الكيّ عند الحاجة إليه، مع كونه خلاف الأولى؛ وذلك لأن هذا القول يمكن أن يجمع به بين جميع الأدلة في المسألة، وإذا أمكن الجمع بين الأدلة لا يصار معه لا إلى الترجيح ولا إلى القول بالنسخ.

أما ادعاء نسخ ما يدل على النهي عن الكيّ فهو وإن كان محتملاً، إلا أن الصحيح عدم النسخ؛ وذلك لأنه يمكن الجمع بين الأدلة الواردة في المسألة، ومع إمكان الجمع بين الأدلة لا يصار إلى النسخ.

٢٣٠ - لا يجوز القران بين التمرتين عند الأكل، إذا كان التمر مشتركاً إلا بإذن بقية الأصحاب ورضاهم، سواء كان الإذن صريحاً أو تلميحاً، من قرينة حال أو إدلال؛ وذلك لضعف حديث بريدة -رضي الله عنه- الدال على جواز الإقران، وصحة حديث النهي عن القران بين التمرتين إلا بإذن بقية الأصحاب، وظاهر النهي أنه للتحريم، ويؤيد ذلك أن ابن عمر -رضي الله عنه- كان ينهى عن القران بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما هو مذكور في حديثه.

أما ادعاء نسخ النهي عن القران بين التمرتين عند الأكل، فغير صحيح؛ وذلك لضعف الحديث الذي يستدل منه على النسخ، وصحة ما يخالفه، والضعيف لا يقوى على إزالة القوي.

٢٣١ - يجوز الشرب قائماً، لكنه مكروه، وخلاف الأولى؛ وبذلك يجمع بين الأحاديث الناهية عن الشرب قائماً، وبين الأحاديث الدالة على جوازه، وإذا أمكن الجمع بين الأحاديث لا يصار معه إلى الترجيح ولا إلى غيره.

أما ادعاء نسخ ما يدل على جواز الشرب قائماً، فغير صحيح؛ وذلك لإمكان الجمع بين الأدلة، وعدم وجود ما يدل على تأخر ما يدل على النهي على ما يدل على الجواز.

أما القول بنسخ ما يدل على النهي عن الشرب قائماً، وإن كان له وجه واحتمال؛ لشرب النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع قائماً، وهو متأخر، ولشرب جمع من الصحابة، ومنهم الخلفاء الراشدون-رضي الله عنهم-بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- قائماً، إلا أن الأولى عدم القول به؛ وذلك لأنه لا يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع بين الأدلة، وقد سبق ما يجمع به بين الأحاديث الواردة في هذه المسألة. ثم هو احتمال، والنسخ لا يثبت به.

٢٣٢ - يستحب تفريق الشعر، ويكره سدله؛ لأنه يثبت من مجموع الروايتين للحديث أن سدل الشعر كان أولاً، ثم نسخ بالفرق، فالفرق هو آخر الأمرين، فيكون هو السنة.

٢٣٣ - يجوز دخول الحمام للرجال، إذا كان قد اتزر، وكان يسلم من النظر إلى عورات

الناس؛ وذلك لغير ما حديث يدل على جواز دخول الحمام للرجل إذا كان متزراً، ثم حديث عائشة-رضي الله عنها-صريح في نسخ النهي عن دخول الحمام للرجال، كما قال الحازمي، إلا أنه حديث ضعيف.

٢٣٤ - إن الأولى كراهة التكني بأبي القاسم؛ وذلك لأن أكثر الأحاديث الناهية عن التكني به مطلقة، ثم هي أصح وأكثر مما يعارضها.

أما ادعاء نسخ ما يدل على النهي عن التكني بأبي القاسم، فهو وإن كان محتملاً، لكن الصحيح عدم النسخ، وذلك؛ لأن الأدلة التي يستدل منها على النسخ، منها ما هو ضعيف، ومنها ما هو يدل على الخصوص،، فالأول لا يقوى على معارضة الأحاديث الصحيحة الصريحة في النهي عن التكني بأبي القاسم فضلاً من أن يكون ناسخاً لها، والثاني غير معارض لها، فلا يكون ناسخاً لها.

٢٣٥ - لا يجوز أي نوع من السجود في هذه الملة لأي أحد غير الله سبحانه وتعالى؛ وذلك لأدلة كثيرة تدل على تحريم السجود لغير الله سبحانه وتعالى.

وإن سجدة التحية والإكرام وإن كانت جائزة في بعض الملل السابقة إلا أنها نسخت؛

لذلك لا يجوز في ملتنا أي نوع من السجود لغير الله سبحانه وتعالى.

٢٣٦ - لا يجوز ابتداء أهل الكفر بالسلام؛ وذلك لأن الأدلة الدالة عليه صريحة في النهي عن السلام على أهل الكفر، بخلاف أدلة القول المعارض له، فإن أدلته تحتمل أكثر من معنى واحتمال.

ثم إن حديث أسامة -رضي الله عنه- إن كان فيه سلام النبي -صلى الله عليه وسلم- على المسلمين وكذلك على الكفار، وكذلك أريد بآية سورة مريم، وآية سورة زخرف، سلام التحية، فإن ذلك يكون منسوخاً بالأمر بقتالهم، وبالنهي عن السلام عليهم.

وإن الأدلة التي يستدل منها على جواز ابتداء أهل الكفر بالسلام، تحتمل أكثر من معنى واحتمال، لذلك لا يتعين فيها القول بالنسخ، لكن إن كان المراد بها سلام التحية على الكفار، فإنها تكون منسوخة بالأدلة التي تدل على قتال الكفار، وبالنهي عن ابتداء السلام عليهم؛ لتأخر ما يدل على النهي عن ابتداء السلام عليهم على ما يخالفه.

٢٣٧ - الضيافة واجبة؛ وذلك لأن الأدلة الدالة عليها مع كثرتها وصحتها صريحة في وجوب الضيافة وأنها حق للضيف، بخلاف أدلة القول المعارض له؛ حيث إنه ليس فيها ما يصرح على نفي وجوب الضيافة، وإنما هي احتمالات وتأويلات ليس عليها أي دليل.

أما ادعاء نسخ ما يدل على وجوب الضيافة، فغير صحيح؛ وذلك لأنه لا يوجد دليل يدل على أن ما يستدل منه على النسخ متأخر على ما يستدل منه على وجوب الضيافة، والنسخ لا بد فيه من دليل يدل على تأخر الدليل الناسخ على ما يعارضه.

٢٣٨ - يجوز اللعب بالحراب في المسجد إذا كان للتدريب على مواقع الحروب، والاستعداد للحروب؛ وذلك لصحة الحديث فيه، وضعف حديث واثلة -رضي الله عنه- الذي يدل على مخالفة ذلك، وعدم التصريح فيه وفي الآية الكريمة بالنسخ.

كما أنه لا يوجد ما يدل على تأخر ما يستدل منه على النسخ على ما يعارضه، وهو شرط لصحة النسخ.

٢٣٩ - إن الأولى هو عدم جواز اتخاذ اللعب للبنات؛ وذلك للأحاديث الكثيرة الصحيحة والصريحة في تحريم اتخاذ الصور، والأمر في بعضها بطمس الصور والتماثيل ومحوها، وهي أحاديث عامة تشمل اللعب للبنات إذا كانت صورة وتمثالاً، ولم يرد في واحد من تلك الأحاديث استثناء اللعب والبنات للبنات، فهو مما يدل على تعميم النهي والتحريم.

ولأن الأحاديث في تقرير النبي -صلى الله عليه وسلم- لعائشة على اتخاذ اللعب المصورة تحتمل كونها قبل الأمر بمحو الصور وطمسها، فيكون ذلك منسوخاً بالأحاديث التي فيها الأمر بمحو الصور وطمسها، كما ذهب إليه غير واحد من أهل العلم.

٢٤٠ - يجوز وضع إحدى الرجلين على الأخرى عند الاستلقاء إذا أمن كشف العورة؛ وذلك لحديث عبد الله بن زيد -رضي الله عنه-، ولما روى عن جمع من الصحابة-رضي الله عنهم- منهم أبو بكر، وعمر، وعثمان-رضي الله عنهم- أنهم كانوا بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعلون ذلك، ولا يرون به بأساً، مع قربهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلمهم بهديه وسنته.

ولأن هذا القول يمكن أن يجمع به بين جميع الأدلة، وذلك بحمل ما يدل على النهي على ما إذا كان فيه كشف العورة، وحمل ما يدل على الجواز إذا عدم ذلك.

أما ادعاء نسخ ما يدل على النهي عن وضع إحدى الرجلين على الأخرى عند الاستلقاء فقول له احتمال، لكن الأولى عدم القول به؛ وذلك لأنه احتمال، والنسخ لا يثبت به.

كما أنه يمكن الجمع بين الأدلة الواردة في المسألة، وإذا أمكن الجمع بين الأدلة فإنه لا يصار معه إلى النسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>