أما بالنسبة للإسلام؛ فالإسلام هو الذي فتح الباب أمام العلم حين دعا إلى البرهان والنظر في السماوات والأرض، ودعا إلى السعي والعمران، وكانت هذه المسائل جديدة على الفكر المسيحي الغربي فاضطرب لها، ومن ثم قامت لديه فكرة العلمانية والانشطارية والتقسيم الفاصل بين الروحيات والماديات، وغلبة المذهب المادي وإنكار الخالق وإرادته، وإغراقه في الفصل بين عالم الأفكار وعالم الأشياء، هذا الفصل بين العلم والعمل الذي أدخل على الحضارة الغربية والفكر الغربي ذلك التمزق الشديد الذي أورث هذه الحضارة هذا الصراع الشديد بين الحتمية والجبرية.
إن الإسلام يقدر المعاصرة، ويقدر التطور، ويقدر حركة التاريخ، ويقدر المتغيرات، ويقدر الانفتاح، ولكنه يضع لكل هذه المعايير ضوابط وقوانين من شأنها أن تحفظ له جوهره وتحول دون تمزق كيانه القائم على التكامل بين المادة والروح، والملتزم بالتوحيد الخالص، والمؤمن بالمسؤولية الفردية والالتزام الأخلاقي والجزاء الأخروي.
ومن ثم فإن المعاصرة عنده والتقدم لا يقومان من فراغ، ولا يغلبهما الجانب المادي؛ لأن كل حركة في الإسلام لا بد أن يتكامل فيها المادي والمعنوي، وأن تكون الوجهة لله خالصة في حركتها، والإسلام يؤمن بالانفتاح ولكنه انفتاح منضبط ومشروع بحيث لا يؤثر على الطابع الإسلامي، ولا يدخل المسلمين في تبعية أو انصهار في قيم مجتمعات أخرى.
إن هؤلاء الذين يتحدثون عن العصرية والحداثة والتقدم لا يعرفون أن للإسلام في ذلك قانونًا واضحًا، ونظامًا مقررًا، ولكنهم يخدعون الناس