والإسلام يقرر مبدأ العصرية، ولكنه لا يقر الاستسلام لروح العصر إذا كان ذلك من شأنه أن يتجاوز القيِّم الأساسية له؛ ذلك أن هناك قيمًا أساسية لا يمكن تجاوزها، وأن هناك حدود وضوابط يجب أن يتحرك المسلم في دائرتها، وأن لا يضحي بها في سبيل الحصول على أي قدر من التقدم المادي.
وأن هذا التحفظ على روح العصر لا يحول مطلقًا دون قدرة المسلم على التقدم والتطور والتغيير، ومجاراة تحولات العصر والمجتمع، وأن الإسلام له من قواه المذخورة ما يمكن المسلمين من الخروج من الأزمة دائمًا، ومن الاستجابة للتقدم الجامع بين شطريه المادي والروحي.
ومن شأن الإسلام أن لا يخضع لانحراف المجتمعات، ولكنه قادر على ردها إلى طريقها الأصيل الطبيعي.
ونحن الآن نمر بمرحلة خطيرة في حياة المجتمعات والحضارات؛ وهي مرحلة الانحراف الخطير الذي وقعت فيه الحضارة الحديثة في تحولها المادي وغياب عنصرها الديني والأخلاقي، وانحرافها عن طريق الله إلى طريق الاستعلاء بالعرق والفساد الخلقي.
ومن هنا فإنَّ الإسلام لا يقر قبول فكرة الاستسلام (لروح العصر)؛ لأنها تعني الاندفاع في الطريق الخطأ.
لقد انحرف هذا العصر عن طريق الأخلاق والدين والعلم إلى طريق الفلسفة المادية، والانحرافات سواء في المذهب الرأسمالي الليبرالي أو الماركسي الاشتراكي، ووصلت البشرية من خلال هذين المذهبين إلى صراع