وفق مقولة:"لا مُشاحَّة في المصطلح"؛ إذ إن هذه وإن كانت كلمة حق إلَّا أنَّها توضع في غير مكانها وتاريخها وسياقها، بل إن أصل النزاع الحضاري الآن إنَّما مفتاحه ومدخله هو المصطلح؛ فكيف لا تكون فيه مشاحة ومنازعة؟!
وبعيدًا عن هذا الاستطراد الضروري نعود إلى مصطلح (الثقافة) فنجد أنَّه حمل أكثر من معنى وأكثر من دلالة؛ فهناك من وَجَّهه وجهة المعرفة والعلم؛ فكانت الثقافة عنده أن تعلم شيئًا عن كل شيء؛ بحيث تكون لك رؤية موسوعية ولو سطحية عن مختلف الأفكار والآراء والعلوم والمعارف والفنون والآداب ونحو ذلك، وهناك من جعلها دلالة نخبوية بمعنى: أن المثقف هو من استجمع بعضًا من قيم وخصوصيات فكرية وفنية رفيعة في المجتمع، وهناك من جعلها دلالة على مجمل القيم العامة في المجتمع والسلوك الإنساني فيه، وهي تلك القيم الحاضنة للنمو الاجتماعي وتواصل الأجيال وفق أذواق معينة ومفاهيم إنسانية وأخلاقية معينة، وهذا هو الأكثر قبولًا في أوساط دارسي المصطلح، وهو الألصق بالاشتقاق اللغوي للمصطلح في كثير من اللغات الأوروبية المعاصرة، حيث تشتق الثقافة من مادة الحرث والنماء (cultuer)، وفي تقديري أن هذا هو التوجيه الأكثر دقة، والأكثر قربًا وضبطًا لمصطلح الثقافة، وهو الأكثر قربًا من الإطار الإِسلامي كذلك؛ لأنَّه يعطي دلالة أقرب إلى مفهوم (العرف)(١) في السياق الإِسلامي، ومن المعروف أن (العرف) معتبر لدى الجمهور من الأصوليين بوصفه مصدرًا من مصادر التشريع له حجيته وإلزاميته في بعض القضايا والأحكام، وقد
(١) مع ملاحظة أن العرف أقرب إلى العمل، والثقافة أقرب إلى العلم.