للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خرَّج بعضهم على ذلك قاعدة: "المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا"، ولعل هذا الربط بين دلالة مصطلح الثقافة ومصطلح العرف -إن صح وجاز- يعطي ثقافة المجتمع موقعًا شديد الحساسية والخطورة في الوعي الإِسلامي المعاصر، ويكشف الغطاء عن محاولات التزوير والتخدير الَّتي تمارس ضد العقل الإِسلامي لحرمانه من ممارسة واجبه المشروع في حماية ثقافته من عمليات الاختراق الأجنبي المتنوعة؛ حيث شاعت في العقود الأخيرة الكتابات الَّتي تهزأ من الحديث عن (الغزو الثقافي)، وتحاول أن تربط ذلك بالتشدد أو التطرف الديني، أو العنصرية القومية، أو ما شابه ذلك من اتهامات وتلويحات؛ يحدث ذلك على الرغم ممَّا تحمله لنا التقارير والأخبار من حالات سخط واستنفار في دوائر المثقفين والأجهزة الرسمية في بعض الدول الأوروبية -مثل فرنسا- ضد ما يسمونه: "الغزو الثقافي الأمريكي"؛ وذلك من خلال المسلسلات والأفلام والمطاعم الأمريكية وغيرها الَّتي تصبغ المجتمع بصبغة غربية وطارئة، وتمزق العرف العام في المجتمع وتشوه الأجيال الجديدة، وهذا كله صحيح بالنسبة لفرنسا، ولكنه أكثر صحة وخطرًا بالنسبة لنا نحن المسلمين؛ وذلك أن أواصر القربي بين الثقافتين الأمريكية والفرنسية أكثر من أن تحصى، فإذا كان الفرنسيون يفزعون من الغزو الثقافي الأمريكي، وهم على هذا الوجه من القربي؛ فكيف بنا ونحن على النقيض من الثقافة الأمريكية قيمًا وأخلاقًا، ونظام حياة وسلوكًا أسريًا، ودينًا وحضارة؟!

إن (الثقافة) أو (العرف) -إن شئنا الدقة- هو البوتقة الَّتي تنصهر فيها

<<  <   >  >>