للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} (١)، ولعلنا نرى الآن في بعض الدول الأوروبية كيف أن العرف قد انتكس بالفطرة الإنسانية إلى قريب من هذا الدمار الَّذي حَدَثَ مع قوم لوط في أخلاق النَّاس وفوضى السلوك الاجتماعي، وينبغي أن نتذكر جيدًا أن هذه الانتكاسات لم تأت عبر خطب أو بيانات أو إقناعات مباشرة أو منطق مفترض، وإنَّما أتت عبر عمليات التآكل المستمرة في القيم والأعراف، والتي تؤدي مع الوقت إلى اختراق "ثقافة المجتمع" وإفقادها مناعتها وحصانتها، وبذلك تخرج أجيال جديدة متمردة ومفرغة من كل قيمة أو وعي رشيد؛ فإنَّ استمر هذا التفريغ انتهى الأمر إلى انتكاسة الفطرة بكاملها، أو أن يقيض الله للمجتمع من يوقف هذا الانهيار ويجدد عهد النَّاس بالقيم والدين منبع العرف في المجتمع الإِسلامي والبوتقة الَّتي تنصهر فيها كل فعاليات المجتمع المسلم على مر التاريخ، لتتحول إلى وعي ثقافي عام يطبع نسيج المجتمع بطابعه، بل يصبح هو نسيج المجتمع ولُحمته.

ويبقى أن نشير إلى باب آخر من أبواب الغزو الثقافي ينبغي التحذير منه في هذا السياق؛ ألا هو الحديث الشيق الطريف عن العالم الَّذي أصبح قرية واحدة"، وهي المقولة الَّتي تتسرب الآن في المقالات والكتابات -حتَّى الإِسلامية منها مع الأسف- غير متنبهة إلى أنَّها مزلق يُستغل لتخدير الوعي الإِسلامي وشله عن المقاومة للغزو الثقافي، بل لإصابته باليأس أصلًا باعتبار أن الطوفان التغريبي قدر مقدور، ولأن العالم أصبح قرية واحدة؛ فكيف نستطيع أن نتحوط منه ونتحصن ثقافيًا وقيميًا؟! ورغم أننا في هذا العالم الَّذي أصبح قرية


(١) سورة النمل، الآية (٥٦).

<<  <   >  >>