للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يسمونه بالتطرف، وطلبًا للوسطية والاعتدال، بل القاصي والداني يعلم أنها إنما فعلت ذلك تنفيذًا لمبادئ علمانيتها العادية لكل ما هو إسلامي.

وليس من غرضي في هذه العجالة أن أستقصي مظاهر الخطأ في فهم قضية الوسطية، وإنما أريد هنا أن أُذكر بعدة حقائق أرى أنها لا بد من أن تكون مائلة في الأذهان عند كل حديث عن قضية الوسطية:

الحقيقة الأولى: أن الوسطية من الناحية اللغوية مصدر صناعي من الوسط وهو العدل الخيار؛ قال في القاموس: "الوسط محركة من كل شيء"، وقال في النهاية: "يقال: هو من أوسط قومه؛ أي من خيارهم"، ومنه قول الصديق -رضي الله عنه- يوم السقيفة عن قريش: (هم أوسط العرب نسبًا ودارًا) (١).

وعلى هذا المعنى اللغوي ينبغي أن تُفسر وسطية الإسلام، وبهذا التفسير جاءت السنة المطهرة؛ ففي الصحيح عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يجيء نوح وأمته، فيقول الله تعالى: هل بلغت؟ فيقول: نعم، أي رب. فيقول لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: لا ما جاءنا من نبي، فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد -صلى الله عليه وسلم- وأمته. فنشهد أنه قد بلَّغ، وهو قوله جل ذكره: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (٢). والوسط العدل" (٣).

والشاهد من ذلك قوله: (والوسط العدل)، وقد بين الحافظ في الفتح أن قوله:


(١) أخرجه البخاري (٦٨٣٠).
(٢) سورة البقرة، الآية (١٤٣).
(٣) أخرجه البخاري (٣٣٣٩).

<<  <   >  >>