للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يكون الحق أن ذاك المتهم بالغلو هو الأقرب إلى الصواب، وأن هذا الذي يدَّعي الوسطية هو التساهل المفرِّط.

وإذا كنا قد لا نجد حيلة في إقناع أولئك الذين يريدون أن يُخضعوا الدين لمقتضيات العصر، فإن واجب النصيحة يلزمنا أن ننصح المتساهلين من المنتسبين للعلم والدعوة بأن يراجعوا مواقفهم، وأن لا يسمحوا لضغط الواقع المرير الذي تعيشه الأمة بأن يؤثر على الرؤية الشرعية التي يجب أن تحتكم إلى مقتضى الدليل الشرعي، فما قضى الدليل بأنه غلو يخالف الوسطية فهو كذلك وما لا فلا.

وليعلم هؤلاء أن مما يعدونه مخالفة لمبدأ الوسطية ما قد وقع الإجماع على أنه الحق الذي ما بعده إلا الضلال، وأكتفي هنا بذكر مثال واحد يبين صحة ما أقول؛ وهو ما يتعلق بالموقف من أهل الكتاب في ديار المسلمين:

فإن الشريعة المطهرة قد جاءت بأحكام واضحة في شأن معاملة أهل الكتاب المقيمين في دار الإسلام منها: وجوب إلزامهم بأحكام الإسلام فيهم، وعلى رأسها دفع الجزية؛ كما قال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (١). ومنها: أنه يجب على المسلمين بغضهم وعدم موالاتهم كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى


(١) سورة التوبة، الآية (٢٩).

<<  <   >  >>