لواحد منهم: بكم سوط تقتله؟ فقال: بعشرة يا أمير المؤمنين. فقال: خذه إليك. قال سليمان السجزى: فأخرج أحمد بن حنبل من ثيابه، وائتزر بمئزر من الصوف، وشدّ فى يديه حبلان جديدان. وأخذ السوط فى يده، وقال: أضربه يا أمير المؤمنين؟ فقال المعتصم: اضرب. فضربه سوطا. فقال أحمد: الحمد لله.
وضربه ثانيا. فقال: ما شاء الله كان. فضربه ثالثا، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. فلما أراد أن يضربه السوط الرابع نظرت إلى المئزر من وسطه قد انحل، ويريد أن يسقط. فرفع رأسه نحو السماء وحرك شفتيه، وإذا الأرض قد انشقت. وخرج منها يدان فوزرتاه بقدرة الله ﷿. فلما أن نظر المعتصم إلى ذلك قال: خلوه. فتقدم إليه ابن أبى دؤاد وقال له: يا أحمد، قل فى أذنى:
إن القرآن مخلوق، حتى أخلصك من يد الخليفة. فقال له أحمد: يا ابن أبي دؤاد قل فى أذنى: إن القرآن كلام الله غير مخلوق، حتى أخلصك من عذاب الله ﷿.
فقال المعتصم: أدخلوه الحبس. قال سليمان: فحمل إلى لحبس، وانصرف الناس، وانصرفت معهم. فلما كان الغد أقبل الناس، وأقبلت معهم. فوقفت بإزاء الكرسى، فخرج المعتصم، وجلس على الكرسى، وقال: هاتوا أحمد بن حنبل.
فجئ به. فلما وقف بين يديه، قال له المعتصم: كيف كنت فى محبسك الليلة يا ابن حنبل؟ قال: كنت بخير والحمد لله. فقال: يا أحمد، إنّي رأيت البارحة رؤيا. قال:
وما رأيت يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت فى منامى كأن أسدين قد أقبلا إلىّ وأرادا أن يفترسانى، وإذا ملكان قد أقبلا ودفعاهما عنى، ودفعا إلى كتابا. وقالا لى: هذا المكتوب رؤيا رآها أحمد بن حنبل فى محبسه. فما الذى رأيت يا ابن حنبل؟ فأقبل أحمد على المعتصم، فقال له: يا أمير المؤمنين فالكتاب معك؟ قال: نعم، وقرأته لما أصبحت وفهمت ما فيه. فقال له أحمد: يا أمير المؤمنين، رأيت كأن القيامة قد قامت، وكأن الله قد جمع الأولين والآخرين فى صعيد واحد. وهو يحاسبهم. فبينما أنا قائم إذ نودى بى. فقدمت حتى وقفت بين يدى الله ﷿. فقال لى: يا أحمد، فيم