تلك الحال، لأنه كان ذا حدّة. فبعثت إلى ابن سمعون، وأنا مشغول القلب لأجله. فلما حضر أعلمت الطائع حضوره. فجلس مجلسه، وأذن له فى الدخول.
فدخل، وسلم عليه بالخلافة. ثم أخذ فى وعظه. فأول ما بدأ به أن قال: روى عن أمير المؤمنين على بن أبى طالب كرم الله وجهه - وذكر عنه خبرا - ولم يزل يجرى فى ميدان الوعظ حتى بكى الطائع لله، وسمع شهيقه، وابتل منديل بين يديه بدموعه. فأمسك ابن سمعون حينئذ. ودفع إلىّ الطائع درجا فيه طيب وغيره. فدفعته إليه، وانصرف وعدت إلى حضرة الطائع. فقلت: يا مولاى، رأيتك على صفة من شدة الغضب على ابن سمعون، ثم انتقلت إلى تلك الصفة عند حضوره. فما السبب؟ فقال: رفع إلى عنه: أنه ينتقص على بن أبى طالب، فأحببت أن أتيقن ذلك، لأقابله عليه إن صح ذلك عنه. فلما حضر بين يدى:
افتتح كلامه بذكر على بن أبى طالب والصلاة عليه، وأعاد وأبدى فى ذلك. وقد كان له مندوحة فى الرواية عن غيره، وترك الابتداء به. فعلمت أنه وفّق لما تزول به عنه الظنة وتبرأ ساحته. ولعله كوشف بذلك أو كما قال.
وقرأت بخط أخى أبى القاسم قال: قال شكر العضدى: لما دخل عضد الدولة إلى بغداد، وقد هلك أهلها قتلا، ونهبا وحرقا، وخوفا للفتن التى اتصلت بين السنة والشيعة: فقال: الآفة القصاص هم. فنادى فى البلد: أن لا يقص أحد فى جامع ولا طريق. فرفع إليه أن أبا الحسين بن سمعون جلس على كرسيه فى يوم الجمعة بجامع المنصور، وتكلم على الناس. فأمرنى بأن أنفذ إليه من يحصله عندى ففعلت. فدخل علي رجل له هيبة، وعلى وجهه نور. فلم أملك أن قمت إليه، وأجلسته إلى جانبى. فلم ينكر ذلك. وجلس غير مكترث. وأشفقت والله أن يجرى عليه مكروه على يدى. فقلت: أيها الشيخ، إن هذا الملك جبار عظيم وما كنت أوتر لك مخالفة أمره. والآن فأنا موصلك إليه، وكما تقع عينك عليه فقبل التراب، وتلطف فى الجواب إذا سألك، واستعن بالله. فعساه أن يخلصك