الأقران، وعدد من ذوى الأسنان: من ضبط العلوم بحسن بصيرة وإتقان. وتدقيقا فى الكشف عن غوامض المذهب وخافيه، والبيان عن معانيه. وهو مع ذلك - إلى حين وفاته - مع كبر السن مجتهد دائب على التنصيف والتدريس مواظب.
ثم إصغاؤه - مع هذا العلم الكثير - إلى كلمة تستفاد من صغير أو كبير، ولو قصد قاصد تعداد كتبه ومصنفاته، وتأمل ما قرره من الأدلة على غوامض مذهبه، ومسائل مفرداته لعسى أن تلحقه السآمة فى حسابه، والمشقة فى استيعابه، ولو اقتصر من يقصد العدل والإنصاف على النظر فى كتابه الذى صنفه فى مسائل الخلاف: لدله على منزلته من العلم دليل كاف.
ومعلوم ما خصه الله تعالى به - مع موهبة العلم والديانة - من التعفف والصيانة، والمروءة الظاهرة، والمحاسن الكثيرة الوافرة، مع هجرانه لأبواب السلاطين، وامتناعه على ممر السنين: أن يقبل لأحد منهم صلة وعطية. ولم تزل ديانته ومروءته لما هذا سبيله أبيّة.
وكان يقسم ليله كله أقساما. فقسم للمنام. وقسم للقيام، وقسم لتصنيف الحلال والحرام.
ولقد نزل به ما نزل بغيره من النكبات التى استكان لها كثير من ذوى المروءات، وخرج بها عن مألوفات العادات. فلم يحفظ عليه أنه خرج عن جميل عاداته، ولا طرح المألوف من مروءاته.
ومن شاهد ما كان عليه من السكينة والوقار، وما كسا الله وجهه من الأنوار مع السكون والسمت الصالح، والعقل الغزير الراجح: شهد له بالدين والفضل ضرورة. واستدل بذلك على محاسنه الخفية المستورة.
هذا مع الأناة والحلم، الذى به يزان العلم، وحمله للأذى فى جنب الإيمان، والتصديق بالأحاديث التى هى عن صاحب الشريعة ﷺ مروية.
وكم قصده من أعداء المروءة والدين من قاصد باغ، ومبتدع طاغ، جامع فى إزعاجه