للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ صَالحُ بنُ أَحْمدَ: كان أَبي لا يَدَعُ أحدًا يَسْتَقِي لَهُ الماءَ لِوُضُوْئِهِ وَأَمَّا الخَصْلَةُ الثَّامِنَةُ، وهي قولُهُ: "إِمامٌ في السُّنَّةِ" فَلَا يَخْتَلِفُ العُلَمَاءُ الأوَائِلُ والأوَاخِرُ أَنَّه في السُّنَّةِ الإمامُ الفاخرُ، والبَحْرُ الزَّاخِرُ، أُوذيَ في اللهِ ﷿ فَصَبَرَ، ولكِتَابِهِ نَصَرَ، ولسُنَّةِ رَسُوْلِ الله انْتَصَرَ، أَفْصَحَ الله فيها لِسَانَهُ، وأَوضَحَ بَيَانَهُ، وأَرجَحَ مِيزَانَهُ، لا رَهَبَ مَا حُذِّرَ، ولا جَبُنَ حين أُنْذِرَ، أَبانَ حَقًّا، وقال صِدْقًا، وزَانَ نُطْقًا وسَبْقًا، ظَهَرَ على العُلَمَاءِ، وقَهَرَ العُظَمَاءَ، ففي الصَّادِقِيْنَ مَا أَوْجَهَهُ، وبالسَّابِقِيْنَ مَا أَشْبَهَهُ، وَعَنِ الدُّنْيَا وأَسْبَابِهَا مَا كَانَ أَنْزَهَهُ، جَزَاهُ الله خَيْرًا عَنِ الإسْلَامِ والمُسْلمين، فهو للسُّنَّةِ كَمَا قَال اللهُ في كِتَابِهِ المُبينِ (١): ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣)﴾. قالَ عليُّ بنُ المَدِيْنِيُّ: أَيَّدَ اللهُ هذَا الدِّينِ برَجُلَيْنِ لا ثَالِثَ لَهُمَا؛ أَبُو بَكْرٍ الصِّديقُ يَوْمَ الرِّدَّةِ، وأَحمدُ بنُ حَنْبَلٍ يَوْمَ المِحْنَةِ.

وقِيْلَ لِبِشْرِ بنِ الحَارِثِ (٢)، يومَ ضُرِبَ أَحْمَدُ: قَدْ وَجَبَ عَلَيْكَ أَن


(١) سورةُ الصَّفِّ.
(٢) هو بِشْرُ بنُ الحَارِثِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ بن عَطَاءِ بن هِلَالٍ المَروَزِيُّ، أبو نَصْرٍ الزَّاهِدُ، المعروف بـ"الحافِي" وهو لَقَبُهُ، نزيلُ بَغْدَاد (ت ٢٢٧ هـ). قال الخطيبُ البَغْدَادِيُّ: "سَكَنَ بَغْدَادَ، وكانَ مِمَّن فَاقَ أهلَ عَصْرِهِ في الوَرَعِ والزُّهْدِ، وتفرَّدَ بوفورِ العَقْلِ، وأَنْوَاعِ الفَضْلِ، وحُسْنِ الطَّرِيْقَةِ واستقامةِ المَذْهَبِ، وعُزُوفِ النَّفسِ، وإسْقَاطِ الفُضُولِ، وكان كَثيرَ الحديثِ إِلَّا إِنَّه لم يَنْصِبْ نفسَهُ للرِّوايةِ، وكان يكرهها، ودَفَنَ كُتبُهُ لأجلِ ذلك، وكلُّ ما سُمِعَ منه إِنَّما هو عن طَرِيْقِ المُذَاكرةِ. أخباره في: طبقات ابن سَعْدٍ (٧/ ٣٤٢)، والجَرح والتَّعديلِ (١/ ٣٥٦)، وحلْيَة الأولياءِ (٨/ ٣٣٦)، وتاريخ بغداد (٦/ ٧٦)، … وغيرها. واحتفى=