للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ أَبُو حَفْصٍ: سَمعتُهُ يقُولُ: سُئِلَ ابنُ بَشَّارٍ لِمَ صَارَ الإمساك عن فَضْلِ الكَلامِ أَشَدُّ من الإمْسَاكِ عَن فَضْلِ الطَّعَامِ؟ فَقَالَ: إِنَّ الكَلام تَبقى مِدْحَتُهُ بَعْده، والطَّعَام تَزُول مَنْفَعَتُه بزَوَالِهِ، أَوْ كَمَا قَال.

قَالَ: وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ البَرْبَهَارِيُّ يَقُولُ: قَال ذو النُّون المَصْرِي: وُصِفَ لِي (١) رَجُلٌ بتاهَرْت (٢)، فَمَضَيْتُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا رآنِي وَلَّى عَنِّي، فَنَادَيْتُه: بالَّذي وَهَبَ لَكَ مَا وَهَبَ إلَّا وَقَفْتَ، فَلَستُ أُطَوِّلُ عَلَيْكَ، كيفَ كَانَ بَدْءُ أَمْرِكَ مَعَ رَبُّكَ ؟ قَالَ لِي: يَا فَتَى، كُنْتُ إِذَا عَمِلْتُ بِمَعْصِيَتِهِ صَبَرَ عَليَّ وتَأَنَّى بِي، فَإِذَا عَمِلْتُ بِطَاعَتِهِ زَادَنِي وأَعْطَانِي، وإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَيْهِ قَرَّبَنِي وأَدْنَانِي، وإِذَا وَلَّيْتُ عَنْهُ صَوَّتَ بِي ونَادَانِي، وإِذَا وقَفْتُ لِفَتْرَةٍ رَغَّبَنِي ومَنَّانِي، فَمَنْ أَكْرَمُ مِنْ هَذَا مَأْمُولًا؟


(١) ساقط من (هـ).
(٢) قال ياقوت في معجم البُلدان (٢/ ٨): "بفتح الهاء وسكون الرَّاءِ، وتاءٌ فوقها نقطتان، اسمٌ لمدينتين متقابلتين بأقصى المغرب، يقال لأحدهما: تاهرت القديمة، وللأخرى: تاهرت المُحدثة، بينها وبين المسيلة ستُّ مراحل، وهي بينها وبين قرية بني حمَّاد، وهي كثيرة الأنداء والضَّباب، والأمطار حتى أن الشَّمس بها قَلَّ أنْ تُرَى".
(ومن لطائف معجم البُلدَان): "ودخلها أعرابيٌّ من أهل اليمن يقال له: أبُو هِلالٍ، ثم خرج إلى أرض السُّودان، فأتى عليه يوم له وهجٌ وحرٌّ شديدٌ وسُمُومٌ في تلك الرِّمال، فنظر إلى الشَّمْس مُضْحِيَةً راكدةً على قمم الرُّؤوسِ وقد صَهَرَتِ النَّاسِ فَقَالَ - مُشِيْرًا إلى الشَّمْسِ -: أَمَّا واللهِ لئن عَزَزْتِ في هَذَا المَكَان لَطَالَمَا رَأيتُكِ ذَلِيْلَةً بتَاهَرْتَ! وأنشد:
مَا خَلَقَ الرَّحمن من طُرَفَةٍ … أَشْهَى من الشَّمْسِ بِتَاهَرْتِ
قال: وكانت قديمًا تُسَمَّى عراق المغرب".