وَيَظهَرُ دِفَاعُ الحافظِ الذَّهبيِّ عنه في صَدْرِ تَرْجَمَتِهِ في "السِّيَرِ" حيثُ قَالَ فِي تَحْلِيَتِهِ: "الإمَامُ، القُدْوَةُ، المُحَدِّثُ، شَيْخُ العِرَاقِ … " لكنَّه قال: "قُلْتُ: لابنِ بطَّةَ - مَعَ فَضْلِهِ - أَوْهَامٌ وَغَلَطٌ" وبعدَ مَا ذَكَرَ الحافظُ الخَطِيْبُ الحَدِيْثَ الذي وهم فيه ابن بطة قال الخَطِيْبُ: "هَذَا بَاطِلٌ والحَمْلُ فِيْهِ عَلَى ابن بَطَّةَ" قَالَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: "قُلْتُ: أَفْحَشَ العِبَارَةَ، وَحَاشَى الرَّجُلَ عن التَّعَمُّدِ، لكِنَّه غَلِطَ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ إسنادٌ فِي إسنادٍ" وبعد أن أورد الأقوال التي ساقها الحَافِظُ الخَطيْبُ في تَضْعِيفِهِ قَالَ الذَّهَبيُّ: "قلتُ: فبدون هذا يَضْعُفُ الشيخُ". أمَّا الحافظ ابنُ حَجَرٍ فإنَّه صَدَّرَ تَرْجَمَتَهُ بقولِهِ: "إِمَامٌ، لكنَّه ذُو أَوْهَامٍ" وقال: "وَمَعَ قِلَّةِ إتْقَانِ ابن بَطَّة في الرِّواية، كان إمامَا في السُّنَّة، إمَامًا في الفِقْهِ، صاحبَ أحوالٍ وإجابةِ دَعْوَةٍ ﵁ … وَقَدْ وَقَفْتُ لابْنِ بَطَّةَ عَلَى أَمْرٍ اسْتَعْظَمْتُهُ واقْشَعَرَّ جِلْدِيْ مِنْهُ … ". وصَاحِبُنَا ابنُ أَبِي يَعْلَى ﵀ أَضْرَبَ عن هَذَا، وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا ممَّا ذَكَرَ الحَافِظُ الخَطِيْبُ مَعَ أن جُلَّ اعتِمَادِهِ في تَرْجَمَتِهِ وتَرْجَمَةِ غَيْرِه على كِتَابِهِ، والحَق أَحَقُّ أن يُتَّبَعَ، ولا بأسَ أن يذكرَ ما وَرَدَ في مَدْحِهِ وقَدْحِهِ، ولابدَّ أن يَنْتَصِرَ له إن كان مَظْلُومَا مُتَّهمًا، ويُبَيِّنَ وجه الصَّوَابِ، أو يَلْتَمِسَ له المَعَاذِيْرَ إن أَمْكَنَ كَمَا فَعَلَ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ، وإن كان ما قيلَ فيه يَلْزَمُه ولا يُمْكِنُ دَفْعُهُ، فَلا يَصِحُّ إخفَاؤُهُ ليوضعَ الرَّجلُ في مَوْضِعِهِ الصَّحِيْحِ خِدْمَةً للسُّنَّة، وانتصَارًا للحَقِّ، ولا يَضِيْرُ ابْن أَبِي يَعْلَى أن يكونَ حَنْبَلِيًّا أو غير حَنْبَليّ، فالمَقْصُوْدُ بذلك كُلِّهِ خِدْمَةُ السُّنَّةِ المُطَهَّرةِ.