للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وحَكَى لِي: أَنَّه لَمَّا دَخَلَ إِلَى دَارِ بَعْضِ السَّلَاطِيْنَ مُكْرَهًا مَعَ جُمْلَةٍ مِنْ الصُّنَّاعِ، أَنَّه أُدْخِلَ إِلَى بَيْتٍ في دَارٍ تُعْمَرُ، وكَانَ في البَيْتِ صُوْرٌ من الاسْفِيْذاجَ مُجَسَّمَةٌ، فَقِيْلَ لَهُ: تَعْمَلُ في هَذَا البَيْتِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا خَرَجُوا عَنْهُ وَخَلَا بِنَفْسِهِ. أَخَذَ الفَأْسَ، وعَلَا الإبرار (١) الَّتي تَكُوْنُ للصُّنَّاع للعَمَلِ، وكَسَرَ الصُّوَرَ، كُلَّهَا بِهَا. فَلَمَّا جَاءَ العُرَفَاءُ فَرَأَوَا (٢) مَا فَعَلَ اسْتَعْظَمُوا ذلِكَ مِنْهُ، وقيلَ لَهُ: كَيْفَ أَقْدَمْتَ عَلَى فِعْلِ هَذَا في دَارِ هَذَا السُّلْطَانِ، وَقَدْ أُنْفِقَ عَلَى هَذِهِ مَالٌ (٣)؟ فَقَالَ: هَذَا مُنْكَرٌ. والله أَمَر بِكَسْرِهِ، والآنَ قَدْ فَعَلْتُ مَا تَعَيَّنَ عَلَيَّ مِنع الأنْكَارِ، أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ فانْتَهَى أَمرُهُ إِلَى السُّلْطَانِ، وقِيْلَ لَهُ: هَذَا رَجُلٌ صَالِحٌ مَشْهُورٌ بالدِّيَانَةِ، وهو مِنْ أَصْحَابِ ابنِ الفَرَّاءِ، فَقَالَ: يَخْرُجُ ولَا يَكَلَّم، ولَا يُقَالُ لَهُ شَيْءٌ يُضَيَّقُ بِهِ صَدْرُهُ، ولَا يُجَاءُ بِهِ إلى عِنْدَنَا. فَلَمَّا أُخْرِجَ تَرَكَ عَمَلَ الجُصِّ، ولَازَمَ المَسْجِدَ يُقْرِئُ القُرْآنَ، ويَؤُمُّ النَّاسَ.

وَكَانَ لَهُ عَقَارٌ قَدْ وَرِثَهُ عن أَبِيْهِ، فَكَانَ يَبِيْعُ مِنْهُ شَيْئًا فَشَيْئًا يَتَقَوَّتُ بِهِ. وَكَانَ عَفِيْفًا لا يَأَخَذُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا، وَلَا يَطْلُبُ وَلَا يَسْأَلُ أَحَدًا حَاجَةً لَنَفْسِهِ من أَمْرِ الدُّنْيَا، مُقْبِلًا على نَفْسِهِ وشَأْنِهِ، مُشْتَغِلًا بعبَادَةِ رَبِّهِ، كَثَيْرَ الصَّوْمِ


(١) في (ط): "وعمد إلى الأداة" ومكانه في (أ) بياض والمثبت من النُّسخ الأخرى. ولم يتوجه لها معنى، إلا أن يقصد بها السلالم.
(٢) في (ط): "ورأوا".
(٣) في (ط): "مالًا".