للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نَفْسِيْ شَهْوَةُ الحَجِّ. فَفَكَّرْتُ، فَقُلْتُ: بِمَاذَا أَحُجُّ، ولَيْسَ مَعِيَ إلَّا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ -أَوْ قِيْمَةُ ثِيَابِيْ خَمْسَةٌ، شَكَّ الرَّاوِي- فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ قَدْ عَارَضَنِي، وقَالَ: يا أَبَا عَبْدِ اللهِ، اسمٌ كبيرٌ ونيَّةٌ ضَعِيْفَةٌ، عَارَضَكَ كَذَا وكَذَا، فَقُلْتُ: كانَ ذَاكَ، فَقَالَ: تَعْزِمُ عَلَى صُحْبَتِيْ؟ فقلتُ: نَعَمْ. فأَخَذَ بِيَدِيْ، وَعَارَضْنَا القَافِلَةَ، فَسِرْنَا بِسَيْرِهَا إِلَى وَقْتِ الرَّوَاح -وهو بينَ العِشَاءِ والعَتَمَةِ- ونزَلْنَا، فقَالَ: تَعْزِمُ على الإفْطَارِ؟ فقلتُ: مَا آبَى ذلِكَ، فقَال لِي: قُمْ، فابْصُرْ أَيَّ شَيْءٍ هُنَاكَ فَجئْ بِهِ، فأَصَبْتُ طَبَقًا فيه خُبْزٌ حَارٌّ، وبَقْلٌ، وقَصْعَةٌ فيها عُرَاقٌ يَفُوْرُ (١)، وزِقٌّ فيه مَاءٌ، فَجِئْتُ بِهِ وهو قَائِمٌ


= ولا نَقْلًا، وللإمام من المناقب والفضائل الثابتة الصَّحيحة ما يُغني عن ذلك. وَسَبَقَ أن ذَكَرَ المؤلِّفُ قِصَةً مشابهةً تقدَّم ذكرها في ترجمة عبد الله بن الإمام أحمد، أَفَكُلُّ ما أراد الإمامُ السَّفَر إلى الحجِّ جاءته معجزةٌ تختَصِرُ له الجَهْدَ والوَقْتَ والكُلفةَ والمأْكلَ والمشربَ في الذِّهَابِ والعَوْدَةِ؟!، وهَبْ أَنَّه حَصَلَ ذلِكَ في الذِّهَابِ لإدراكِ الحجِّ فلمَ حَدَثَ هذَا في العَودة مثلًا؟! وقد بالغَ أصحابُ الوِلايَاتِ والكرامات من الصُّوفيَّة حَتَّى جَعَلُوا جميعَ تصرُّفات أوليائهم -كما يزعمون- من قبيل الكراماتِ والمعجزات الَّتي تدلُّ على ولاية .. ونحن لا ننكر الكرامات للأولياء، لكن بحدودها الشَّرْعِيّةِ المعروفةِ عند علماء السَّلف.
(١) العِظَامُ إِذَا كان عليها شَيْءٌ من اللَّحْمِ تُسمَّى عُرَاقًا، وإِذَا جُرِّدَتْ من اللَّحْمِ تُسمَّى عُراقًا أيضًا. قال أبو عُبَيْدٍ: "هي العِظَامُ الَّتي اعتُرِق منها هَبْرُ اللَّحْمِ وبقيَ عليها لُحُوم رقيقةٌ طيِّبةٌ فتكسَّرُ وتُطْبَخُ، وتُؤْخَذُ إِهَالَتُهَا من طُفَاحتِها ويُؤكَلُ ما على العِظَامِ من عُوّذ اللَّحْمِ الرَّقِيق ويتمَشَّشُ مُشَاشُهَا، ولحمُها من أمرإ اللُّحْمَان وأَطْيَبِهَا، يُقَال: عرَّقتُ العظمَ وتَعَرَّقْتُهِ واعترقتُهُ: إِذَا أخذت اللَّحْمَ عنه نَهْسًا بأسنَانِكَ". يُراجع: تهذيب اللُّغة (١/ ٢٢٤)، والصِّحاح، واللِّسان، والتَّاج: (عَرَقَ).