وَمَدائِحُهُ كثيرةٌ جدًّا. وبيتُهُم في الرِّئاسةِ والنُّبلِ والشَّهامة رفيعٌ، فجدُّهم الأعلى خَاقَانُ -وهو في الأصل- يطلق على كلِّ ملكٍ من مُلُوك التُّرك، كَذَا قال الأَزْهَرِيُّ في "تهذيب اللُّغة"(٧/ ٣٥)، وهو خاقان بن أحمد بن غرطوج، وفيل: خاقان بن غرطوج، خُراسانيٌّ، مَولى الأزْدِ، مولى بني واشجٍ منهم، وهم رَهْطُ سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ، ويَظهر أَنَّه كان قائدًا بارزًا في زَمَنِ المُعْتَصِمِ، وأَنَّه كان من خَاصَّةِ الخَلِيْفَةِ.
جاء في التَّذكرة الحمدونيَّة (٧/ ٢١٨): "عادَ المُعتصمُ أَبا الفَتْحِ بن خاقان والفتح صَغيرٌ فقال له: دَارِيْ أَحْسَنُ أمْ دَارُ أَبِيْكَ؟ قال: يا أميرَ المُؤْمنين دارُ أبي مَا دُمْتَ فيها" يُراجع: نَثْرُ الدُّرِّ (٥/ ٣٣٥)، وبهجة المجالس (١/ ١٠٦)، والجليسُ الصَّالحُ (١/ ٢٦٩)، والمَحَاسِنُ والمساوي (٤٦٠) … وغيرها.
لذلك نَشَأَ ابنُهُ الفَتْحُ في دارِ الخلافةِ مَعَ المُتَوَكِّل، فلمَّا ولي المُتوكلُ استوزده فكان منه بمنزلة الرُّوح من الجَسَدِ، لا يكادُ يفارِقُهُ أبدًا، وكان الفتح يتمتَّعُ بالذَّكاء والحِنْكَةِ؛ لأنَّه كان في خِدْمَةِ المعْتَصِمِ والوَاثِقِ قبلَ ذلك، فكان لديه من الدُّرْبَة والخِبْرَةِ ما مكَّنه من تولِّي الوَزارة وديوان الخراج للمُتَوَكِّل بجدارة تامة، وكان الفتحُ أديبًا، شاعرًا، حسنَ العشرةِ، متوددًا، وكان في غاية الجُودِ. له خزانةُ كُتُبٍ مشهورةٌ. وكان الخليفةُ محبًّا له، واثقًا به، فقد حدَّث البُحتُرِيُّ الشَّاعِرُ قال: قال لي المتوكِّلُ: قل فيِّ شعرًا وفي الفتح، فإنِّي أحبُّ أن يَحْيَا معي، ولا أفقده فيذهب عَيْشِي، ولا يَفْقِدُنِي فَيَذِلَّ، فقُل في هذَا المعنى. فقلتُ أبياتي:=