يضاف إلى ما ذكرناه الكتب التي صنفها بعض العلماء المتقدمين في أحوال مكة المعظمة والمدينة المكرمة، وذكروا فيه ما في هذين البلدين الطيبين من بقاع وأماكن وأودية وجبال وخطط، وذكروا من تولى إمارتهما، بادئين بكل ما له علاقة بالنبي صلى الله عليه وسلم وأقدم كتاب في هذا الموضوع: أخبار مكة للأزرقي المتوفى سنة ٢٢٣ هـ، وأخبار المدينة لعمر بن شبة المتوفى سنة ٢٦٨ هـ، ثم أخبار مكة للفاكهي، وأخبار المدينة لابن زبالة.
ثم بعد ذلك يتحدث عن التأليف في السيرة النبوية وأنه تجاوز على مدى العصور كل تصور، وبعد أن يضرب أمثلة على سعة التأليف في السيرة النبوية ينقل نقلاً عن كاتب متحامل على الإسلام هو (ريوزورند باسورث سميث) من كتابه (محمد والمحمدية) يقول فيه هذا الكاتب:
كل ما يقال في الدين يغلب فيه الجهل ببدايته، ومما يؤسف له أن هذا يصح إطلاقه على الديانات الثلاث (١) وعلى أصحابها الذين نعدهم تاريخيين، لأننا لا نعلم لهم وصفاً أحسن من هذا الوصف، فإننا قلما نعلم عن الذين كانوا في طلائع الدعوة، والذي نعلمه عن الذين جاءوا بعدهم واجتهدوا في نشر عقائدهم أكثر من الذي نعلمه عن أصحاب الدعوة الأولين، فالذي نعلمه من شئن زردشت وكونفوشيوس أقل من الذي نعلمه عن سولون وسقراط. والذي نعلمه عن موسى، وبوذا أقل مما نعلمه عن أمبرس Ambrase وقيصر، ولا نعلم من سيرة عيسى إلا شذرات تتناول شعباً قليلةً من شُعَبِ حياته المتنوعة والكثيرة، ومن ذا الذي يستطيع أن يكشف لنا الستار عن شئون ثلاثين عاماً هي تمهيد واستعداد للثلاثة أعوام التي لنا علم بها من حياته، إنه بعث ثلث العالم من رقدته، ولعله يحيي أكثر مما أحيا، وحياته المثالية بعيدة عنا مع قربها منا، وإنها تتراوح بين الممكن والمستحيل، بيد أن كثيراً من صفحاتها لا نعلم عنها شيئاً أبداً، وما الذي نعلمه عن أم المسيح، وعن حياته في بيته؟ وعيشته العائلية؟ وما الذي نعلمه عن أصحابه الأولين وحوارييه؟ وكيف كان يعاملهم؟ وكيف تدرجت رسالته الروحية في الظهور؟ وكيف فاجأ الناس بدعوته ورسالته؟ وكم وكم من السئلة تجيش في نفوسنا، ولن يستطيع أحد أن يجيب عليها إلى يوم القيامة؟!