سبيله، وألقوا عليه سلى جزور وهو يصلي، ورموه بالحجارة، وأرادوا قتله، وكادوا له كيدهم، وسموه ساحراً ودعوه شاعراً، وفندوا آراءه وسخفوا حلمه، ولكن لم يجرؤ أحد منهم على أن يقول شيئاً في أخلاقه، ولا أن يرميه بالخيانة، أو ينسب إليه الكذب في القول، أو إخلاف الوعد أو إخفار الذمة أو نقض العهد.
وإن من ادعى النبوة وقال إن الله يوحي إليه فكأنه ادعى العصمة البراءة من جميع المفاسد ومساوئ الأعمال. ألم يكن يكفي قريشاً في ردهم على الرسول أن يذكروا أموراً عمل فيها الرسول بغير الحق، وأن يشهدوا عليه بأنه أخلفهم وعداً أو خانهم في أموالهم أو كذبهم في شيء مما قاله لهم؟ إن قريشاً أنفقوا أموالهم، وبذلوا نفوسهم في عداوة الرسول، وضحوا بفلذات أكبادهم في قتاله حتى قتل منهم وجرح كثيرون، لكنهم لم يستطيعوا أن يُدنسوا ذيله الطاهر ولا أن يصموه بشيء في عظيم أخلاقه. وكانت أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم وشئونه وهديه ظاهرة لجميع الناس معلومة لهم، استوى في ذلك أحبابه وأعداؤه ولم يخف عليهم شيء من أمره.
ثم أفاض المؤلف في ذكر الأعجوبة الهائلة أن يقدم شخص للعالم كل ما يحتاجه هذا العالم، بحيث يزيد سعة وشمولاً ويفوق كمالاً - مع السلامة من النقص - على ما تبنيه الأمم خلال عصور، مما لا نجده في ما وصلنا عن أحد غيره، ألا أنها الرسالة والنبوة.
ويختتم محاضرته بقوله:
نحن لا نزال نقدم للناس تلك السيرة الكاملة، التي هي لنا سراج وهاج في جميع شئون الحياة البشرية، فكأن السيرة المحمدية مرآة صافية للدنيا كلها، يرى فيها كل إنسان صورته وروحه، ظاهره وباطنه، قوله وعمله، خلقه وأدبه، هديه وسنته، وفي استطاعته أن يصلح أخلاقه ويثقف عوجه بحسب ما يراه في تلك المرآة الصافية.
لأجل ذلك لا ترى أمة مسلمة تبحث - في خارج دينها وبمنأى عن سيرة نبيها - عن أصول وضوابط تقوم بها اعوجاجها وتثقف منآدها وتصلح زيفها. لأنها في غنى عما هو أجنبي عنها، وعندها في هدي سيرة نبيه صلى الله عليه وسلم الميزان القويم والقسطاس المستقيم، الذي تبين