حوالي عشرة آلاف، ولما سار إلى تبوك كان في معسكره حوالي ثلاثين ألفاً، ولما حج حجة الوداع حج معه تلك السنة حوالي مائة ألف مسلم، ينطبق عليهم عنوان الصحابة، وما منهم إلا من يحرص على الوقوف على شيء من هداية نبيه صلى الله عليه وسلم أو أي أمر من أموره فيتحدث عنه، بل هو الذي أمرهم أن يبلغوا عنه ما يسمعون منه أو يرون من تصرفاته، فما ظنكم به بعد ذلك هل يخفى عن التاريخ وجه من وجوه حياته أو ناحية من نواحيها.
هذا من جهة أصحابه، وأما أعداؤه فإنهم أفرغوا جهدهم، واستنفدوا سعيهم ليقفوا على دخيلة من دخائله وليؤاخذوه بحقيقة يعلمونها عنه فلم يستطع أحد منهم أن يجد له ناحية ضعف ولا ما يندد به وأقصى ما استطاع أعداؤه في كل زمان ومكان أن يقولوه عنه إنه سلَّ سيفه للقتال وأنه كان كثير الزوجات.
وقد تبين لكم أن حياته الطاهرة هي حياة العصمة من كل نقص، البريئة من كل عيب.
إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقض حياته كلها بين أحبائه وأصحابه، بل قضى أربعين سنة من عمره في مكة قبل أن يبعث، فكان بين أهلها مشركي قريش، وكان يتعاطى فيهم التجارة، ويعاملهم في أمور الحياة ليل نهار، وهي الحياة اليومية وما تنطوي عليه من أخذ وعطاء، ومن شأنها أن تكشف عن أخلاق للمرء فيتبين للناس فسادها وصلاحها، وهي عيشة طويل طريقها، كثيرة منعطفاتها، وعرة مسالكها، تعترضها وهدات مما قد يصدر عن المرء من خيانة وإخفار عهد وأكل مال بالباطل، وعقبات من الخديعة والخيانة وتطفيف الكيل وبخس الحقوق وإخلاف الوعد.
وإن الرسول صلى الله لعيه وسلم اجتاز هذه السبيل الشائكة الوعرة وخلص منها سالماً نقياً لم يصبه شيء مما يصيب عامة الناس، حتى لقد دعوه (الأمين) وإن قريشاً بعد بعثته وادعائه النبوة كانوا يودعون عنده ودائعهم وأموالهم لعظيم ثقتهم به، وقد علمتم أنه صلى الله عليه وسلم لمَّا هاجر من مكة خلفَ عليها علياً ليردِّ ما كان لديه من الودائع إلى أهلها. فقريش خالفوه أشد الخلاف في دعوته ولم يتركوا سبيلاً إلى ذلك إلا سلكوه، فقاطعوه وعاندوه وصدوا عن