للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

منه الشيء قد نسينُه، فأراهُ فأذكرُ كما يذكُر الرجلُ وجه الرجُل إذا غاب عنهُ، ثم إذا رآهُ عرفهُ.

هذا الحديث وما بعده فيه إخبارات عن المغيبات ووقعت كلها كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال في عون المعبود:

وفيه كمال علمه صلى الله عليه وسلم بما يكون وكمال علم حذيفة واهتمامه بذلك واجتنابه من الآفات والفتن وقد استدل بهذا الحديث بعض أهل البدع والأهواء على إثبات الغيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا جهل من هؤلاء لأن علم الغيب مختص بالله تعالى، وما وقع منه على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن الله بوحي والشاهد لهذا قوله تعالى {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (١) أي ليكون معجزة له، فكل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من الأنباء المنبئة عن الغيوب ليس هو إلا من إعلام الله له به إعلاماً على ثبوت نبوته ودليلاً على صدق رسالته صلى الله عليه وسلم قال علي القاري في شرح الفقه الأكبر: إن الأنبياء لم يعلموا المغيبات من الأشياء إلا ما أعلمهم الله أحياناً، وذكر الحنفية تصريحاً بالتكفير باعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب؛ لمعارضة قوله تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (٢) كذا في المسايرة وقال بعض الأعلام في إبطال الباطل من ضروريات الدين إن علم الغيب مخصوص بالله تعالى، والنصوص في ذلك كثيرة {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (٣) الآية و {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} (٤) الآية. فلا يصح لغير الله تعالى أن يقال له إنه يعلم الغيب، ولهذا لما قيل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجز؛ وفينا نبيٌّ يعلمُ ما في غد، أنكر على قائله وقال: "دع هذا وقل غير هذا". وبالجملة لا يجوز أن يقال لأحد إنه يعلم الغيب نعم الإخبار بالغيب بتعليم الله تعالى جائز وطريق هذا التعليم إما الوحي أو الإلهام


(١) الجن: ٢٦، ٢٧.
(٢) النمل: ٦٥.
(٣) الأنعام: ٥٩.
(٤) لقمان: ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>