للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: بلى. قال: ودخلتُ عليه حين دخلتُ وأنا أرى في وجهه الغضب. فقلت: يا رسول الله! ما يشُقُّ عليك من شأن النساء؟ فإنْ كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك. وقلما تكلمتُ، وأحمدُ الله، بكلام إلا رجوت أن يكون الله يُصدق قولي الذي أقول. ونزلت هذه الآية آية التخيير {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} (١) وكانت عائشة بنتُ أبي بكرٍ وحفصة تظاهران على سائر نساء النبي صلى الله عليه وسلم. فقلت: يا رسول الله! أطلقتهن؟ قال: "لا" قلت: يا رسول الله! إني دخلتُ المسجد والمسلمون ينْكُتُون بالحصى يقولون: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه. أفأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن؟ قال: "نعم. إن شئت" فلم أزل أحدثه حتى تحسر الغضب عن وجهه وحتى كشر فضحك. وكان من أحسن الناس ثغراً. ثم نزل نبي الله صلى الله عليه وسلم ونزلتُ. فنزلتُ أتشبثُ بالجذع ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما يمشي على الأرض ما يمسهُ بيده فقلت: يا رسول الله! إنما كنت في الغرفة تسعة وعشرين. قال: "إن الشهر يكون تسعاً وعشرين" فقمت على باب المسجد فناديتُ بأعلى صوتي: لم يُطلقْ رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه ونزلت هذه الآية {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (٢) فكنت أنا استنبطتُ ذلك الأمر وأنزل الله عز وجل آية التخيير.


(١) التحريم: ٤، ٥.
(٢) النساء: ٨٣.
تحسر الغضب: أي زال وانكشف.
كشر: أي أبدى أسنانه تبسما، ويقال أيضاً في الغضب. قال ابن السكيت: كشر وبسم وابتسم وافتر، كله بمعنى واحد، فإن زاد قيل: قهقه وزهزق وكركر.
أتشبث: أي مستمسكاً بذلك الجذع، الذي هو كالسلم للغرفة.
يستنبطونه: قال الزمخشري في الكشاف: أي الذين يستخرجون تدبيره بفطنتهم وتجاربهم، والنبط الماءُ يخرج من البئر أول ما تحفر. وإنباطه واستنباطه إخراجه واستخراجه. فاستعير لما يستخرجه الرجل بفضل ذهنه من المعاني والتدابير فيما يعضل ويهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>