للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فبكت أشد البكاء. فقلت لها: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: هو في خزانته في المشربة. فدخلت فإذا أنا برباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعداً على أُسْكُفَّةِ المشربة مُدلٍّ رجليه على نقير من خشب. وهو جِذْعٌ يرقى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وينحدر فناديتُ: يا رباحُ! استأذنْ لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر رباح إلى الغرفة ثم نظر إليّ فلم يقل شيئاً ثم قلت: يا رباحُ! استأذنْ لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر رباح إلى الغرفة ثم نظر إليّ فلم يقل شيئاً. ثم رفعتُ صوتي فقلت: يا رباح! استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظن أني جئتُ من أجل حفصة. والله لئن أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب عنقها لأضربن عنقها ورفعت صوتي. فأومأ إليّ أن ارْقَهْ. فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على حصير فجلستُ. فأدنى عليه إزاره ولبس عليه غيره وإذا الحصير قد أثر في جنبه. فنظرْتُ ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع. ومثلها قرظاً في ناحية الغرفة وإذا أفيق مُعَلّقْ. قال: فابتدرت عيناي. قال: "ما يبكيك يا ابن الخطاب؟! " قلت: يا نبي الله مالي لا أبكي؟ وهذا الحصير قد أثر في جنبك. وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى وذاك قيصرُ وكسرى في الثمار والأنهار. وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفوتهُ. وهذه خزانتك. فقال: "يا ابن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟ (١) "


= خزانته: الخزانة مكان الخزن، كالمخزن، وما يخزن فيه يسمى خزينة.
المشربة: قال في المصباح: بفتح الميم والراء، الموضع الذي يشرب منه الناس. وبضم الراء وفتحها، الغرفة، أسكفة: هي عتبة الباب السفلى.
مدل رجليه: أي مرسلهما.
نقير: أي على شيء من خشب نقر وسطه حتى يكون كالدرجة. قال النووي: هذا هوالصحيح الموجود في جميع النسخ، وذكر القاضي أنه بالفاء، بدل النون، وهو فقير بمعنى مفقورن مأخوذ من فقار الظهر، وهو جذع فيه درج.
أن أرقه: أي أشار إليَّ رباح بالصعود إلى المشربة بواسطة ذلك الجذع المنقور كالسلم. فـ (أن) تفسيرية.
وارقه: أمر من الرقي. والهاء في آخره للسكت. وفي الكلام حذف. تقديره فرقيت فدخلت.
قرظاً: القرظ ورق السلم يدبغ به.
أفيق: هو الجلد الذي لم يتم دباغه. وجمعه أفق. كأديم وأدم. وقد أفق أديمه يأفقهُ.
فابتدرت عيناي: أي لم أتمالك أن بكيت حتى سالت دموعي

<<  <  ج: ص:  >  >>