منيج، فبينا الحسن بالمدائن، إذ نادى مناد في عسكره: ألا إن قيس بن سعد قد قُتل، فشد الناس على حُجرة الحسن، فنهبوها حتى انتهبت بسطه، وأخذوا رداءه، وطعنه رجل من بني أسد في ظهره بخنجرٍ مسموم في أليته، فتحول، ونزل قصر كسرى الأبيض، وقال: عليكم لعنة الله من أهل قرية، وقدعلمت أن لا خير فيكم، قتلتمُ أبي بالأمس، واليوم تفعلون بي هذا. ثم كاتب معاوية في الصلح على أن يسلم له ثلاث خصال: يُسلم له بيت المال فيقضي منه دينه ومواعديه ويتحمل منه هو وآله، ولا يُسبُّ عليٍّ وهو يسمع، وأن يُحمل إليه خراج فسا ودرابجرْد كل سنة إلى المدينة، فأجابه معاوية، وأعطاه ما سأل.
ويقال: بل أرسل عبد الله بن الحارث بن نوفل إلى معاوية حتى أخذ له ما سأل، فكتب إليه الحسنُ: أنْ أقبِلْ، فأقبل من جسر منيج إلى مسكن في خمسة أيام، فسلم إليه الحسن الأمر، وبايعه حتى قدما الكوفة. ووفى معاوية للحسن ببيت المال، وكان فيه يومئذ سبعةُ آلاف درهم؛ فاحتملها الحسن، وتجهز هو وأهل بيته إلى المدينة، وكف معاوية عن سب عليٍّ والحسن يسمع؛ وأجرى معاوية على الحسن كل سنةٍ ألف ألف درهم، وعاش الحسنُ بعد ذلك عشر سنين.
وأخبرنا عبد الله بن بكر، حدثنا حاتم بن أبي صغيرة، عن عمرو بن دينار، أن معاوية كان يعلم أن الحسن أكرهُ الناس للفتنة، فلما توفي علي بعث إلى الحسن، فأصلح ما بينه وبينه سراً، وأعطاه معاوية عهداً إن حدث به حدث والحسن حيٍّ ليسمينه وليستخلفنه، وليجعلن الأمر إليه، ف لما توثق منه الحسن، قال ابن جعفر: والله إني لجالس عند الحسن، إذ أخذتُ لأقوم، فجذب بثوبي، وقال: يا هناه يا هذا اجلس! فجلستُ، فقال: إني قد رأيت رأياً، وإني أحب أن تتابعني عليه! قلت: ما هو؟ قال: قد رأيتُ أن أعمد إلى المدينة، فأنزلها، وأُخلي بين معاوية وبين هذا الحديث، فقد طالت الفتنة، وسُفكت الدماء، وقطعت الأرحام والسبل، وعُطلت الفروج (أي ترك الناس الزواج فأصبحت الفروج لا تلد).
قال ابن جعفر: جزاك الله خيراً عن أمة محمدٍ، فأنا معك. فقال: ادعُ لي الحسين! فأتاه، فقال: أي أخي! قد رأيت كيت وكيت فقال: أُعيذك بالله أن تُكذب علياً،