وتشعبت من هؤلاء اثنتا عشرة قبيلة، سكنت كلها في مكة مدة، وكانت جُلُّ معيشتهم التجارة من بلاد اليمن إلى بلاد الشام ومصر، ثم انتشرت هذه القبائل في أرجاء الجزيرة بل إلى خارجها، ثم أدرجت أحوالهم في غياهب الزمان، إلا أولاد نابت وقيدار.
وازدهرت حضارة الأنباط في شمال الحجاز، وكونوا حكومة قوية دان لها من بأطرافها، واتخذوا البتراء عاصمة لهم، ولم يكن يستطيع مناوأتهم أحد حتى جاء الرومان فقضوا عليهم، وقد رجح السيد سليمان الندوي بعد البحث الأنيق والتحقيق الدقيق أن ملوك آل غسان وكذا الأنصار من الأوس والخزرج لم يكونوا من آل قحطان، وإنما كانوا من آل نابت بن إسماعيل، وبقاياهم في تلك الديار.
وأما قيدار بن إسماعيل فلم يزل أبناؤه بمكة يتناسلون هناك حتى كان منه عدنان وولده معد، ومنه حفظت العرب العدنانية أنسابها، وعدنان هو الجد الحادي والعشرون في سلسلة النسب النبوي، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا انتسب فبلغ عدنان يمسك ويقول:"كذب النسابون" فلا يتجاوزه. وذهب جمع من العلماء إلى جواز رفع النسب فوق عدنان، مضعفين للحديث المشار إليه، وقالوا: إن بين عدنان وبين إبراهيم - عليه السلام - أربعين أباً بالتحقيق الدقيق.
وقد تفرقت بطون معد من ولده نزار - قيل: لم يكن لمعد ولد غيره - فكان لنزار أربعة أولاد، تشعبت منهم أربعة قبائل عظيمة: إياد وأنمار وربيعة ومضر، وهذان الأخران هما اللذان كثرت بطونهما واتسعت أفخاذهما، فكان من ربيعة: أسد بن ربيعة، وعنزة، وعبد القيس، وأبنا وائل - بكر وتغلب -، وحنيفة، وغيرها. وتشعبت قبائل مضر إلى شبعتين عظيمتين: قيس عيلان بن مضر، وبطون إلياس بن مضر، فمن قيس عيلان: بنو سليم، وبنو هوازن، وبنو غطفان - ومن غطفان: عبس وذبيان وأشجع وغني بن أعصر. ومن إلياس بن مضر: تميم بن مرة، وهذيل بن مدركة، وبنو أسد بن خزيمة، وبطون كنانة بن خزيمة.