خالد الجيش في كراديس وجعل أبا عبيدة في القلب، وعمرو بن العاص على الميمنة، ويزيد ابن أبي سفيان على الميسرةن ودارت رحى حرب ضروس، وأبلى المسلمون بلاء حسناً، وهُزم الروم هزيمة منكرة، وهوى من الروم مائة وعشرون ألفاً في وادي اليرموك، وشاركت النساء المسلمات في المعركة لصد هجمات الروم بعد أن اضطر المسلمون إلى التقهقر عدة مرات، وكن يعدن المنهزمين من المسلمين إلى حومة الوغى يلقين في قلوبهن الشجاعة والحمية.
وكان نصر المسلمين في اليرموك مؤزراً مبيناً، وبينما كان المسلمون يقاتلون الروم جاء البريد من الحجز، فدفع إلى خالد وفيه وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، واستخلاف عمر الفاروق رضي الله عنه واستنابة أبي عبيدة على الجيوش في اليرموك، فكتم خالد الأمر لئلا يحصل وهو ضعف في نفوس المسلمين، وقد عزى خالد المسلمين بوفاة الصديق وسلم قيادة الجيش لأبي عبيدة بن الجراح وغدا ندياً يقاتل تحت إمرته حرصاً على وحدة المسلمين وقوتهم حتى يستمروا في مسيرتهم الجهادية المظفرة المباركة. وشرع أبو عبيدة رضي الله عنه في جمع الغنيمة وتخميسها، وبعث بالفتح والخمس إلى الحجاز وسار نحودمشق حتى نزل مرج الصفر، فأقام أبو عبيدة حتى جاءه كتاب الفاروق يأمره بفتحها.
ومما تجدر الإشارة إليه أن معركة حامية الوطيس دارت بين المسلمين والفرس في العراق بعد رحيل خالد إلى الشام، فقد اغتنم الفرس غيبة خالد فبعثوا إلى نائبه المثنى بن حارثة جيشاً عرمرماً نحواً من عشرة آلاف مقاتل عليهم هرمز بن جاذويه، فسار المثنى إلى بابل والتقى بالفرس بمنكان عند العراق الأول، فاقتتلوا قتالاً شديداً فأرسل الفرس فيلاً ليفرق خيل المسلمين، فحملعليه المثنى فقتله واستمر القتل في الفرس، ودارت عليهم الدائرة، وفروا حتى انتهوا إلى المدائن، وغنم المسلمون منهم مالاً عظيماً. وقد أوصى الصديق وهو على فراش المرض عمر بن الخطاب أن يندب الناس لقتال أهل العراق مع المثنى وأن يرد أصحاب خالد إلى العراق بعد فتح الشام لأنهم أعلم بحربه.
قال ابن كثير في البداية والنهاية: كانت وفاة الصديق رضي الله عنه في يوم الإثنين عشية، وقيل بعد المغرب ودفن من ليلته وذلك لثمان بقين من جمادي الآخرة سنة ثلاث