وجمع له بين هذين الأمرين الشهادة في المدينة النبوية وهذا عزيز جداً، ولكن الله لطيف بما يشاء تبارك وتعالى، فاتفق له أن ضربه أبو لؤلؤة فيروز المجوسي الأصل، الرومي الدار، وهو قائم يصلي في المحراب، صلاة الصبح من يوم الأربعاء، لأربع بقين من ذي الحجة من هذه السنة بخنجر ذات طرفين، فضربه ثلاث ضربات، وقيل ست ضربات، إحداهن تحت سرته قطعت الصفاق - وهو ما بين الجلد والمصران أو جلد البطن كله - فخر من قامته نواستخلف عبد الرحمن بن عوف، ورجع العلج بخنجره لا يمر بأحد إلا ضربه، حتى ضرب ثلاثة عشر رجلاً مات منهم ستة، فألىق عليه عبد الله بن عوف بُرنساً - وهو ثوب له رأس ملتصق به - فانتحر نفسه لعنه الله، وحمل عمر إل ى منزله والدم يسيل من جرحه- وذلك قبل طلوع الشمس - فجعل يفيق ثم يغمى عليه، ثم يذكرونه بالصلاة فيفيق ويقول: نعم، ولاحظ في الإسلام لمن تركها، ثم صلى في الوقت، ثم سأل عمن قتله من هو؟ فقالوا له: هو أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة. فقال: الحمد الله الذي لم يجعل منيتي على يدي رجل يدعي الإيمان ولم يسجد لله سجدة. ثم قال: قبحه الله، لقد كنا أمرنا به معروفاً - وكان المغيرة قد ضرب عليه في كل يوم درهمين ثم سأل من عمر أن يزيد في خراجه فإنه نجار نقاش حداد فزاد في خراجه إل مائة في كل شهر - وقال له: لقد بغلني أنك تحسن أن تعمل رحا تدور بالهواء فقال أبو لؤلؤة: أما والله لأعملن لك رحا يتحدث عنه الناس في المشارق والمغارب - وكان هذا يوم الثلاثاء عشية - وطعنه صبيحة الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة. وأوصى عمر أن يكون الأمر شورى بعده في ستة ممن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، وهم عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير وعبد
الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، ولم يذكر سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي فيهم، لكونه من قبيلته، خشية أن يراعى في الإمارة بسببه، وأوصى من يستخلف بعده بالناس خيراً على طبقاتهم ومراتبهم، ومات رضي الله عنه بعد ثلاث، ودفن في يوم الأحد مستهل المحرم من سنة أربع وعشرين، بالحجرة النبوية، إلى جانب الصديق، عن إذن أم المؤمين عائشة رضي الله عنها في ذلك، وفي لك اليوم حكم أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه.