نفسه وأظهر الخلاف ليزيد بن معاوية فوجه إليه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة المري في جيش أهل الشام وأمره بقتال أهل المدينة، فإذا فرغ من ذلك سار إلى مكة، وقال: فدخل مسلم بن عقبة المدينة وهرب منه يومئذ بقايا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعبث فيها وأسرف في القتل، ثم خرج منها، فلما كان في بعض الطريق إلى مكة مات واستخلف حصين بن نمير الكندي وقال له: يا برذعة الحمار احذر خدائع قريش ولا تعاملهم إلا بالنفاق ثم القطاف، فمضى حصين حتى ورد مكة فقاتل بها ابن الزبير أياماً.
روى الحاكم (١) عن عروة بن الزبير قال: أرسل ابن الزبير إلى الحصين بن نمير يدعوه إلى البزار فقال الحصين: لا يمنعني من لقائك جبن، ولست أدري لمن يكون الظفر، فإن كان لك كنت قد ضيعت من وراءي، وإن كان لي كنت قد اخطأت التدبير وضرب ابن الزبير فسطاطاً في المسجد فكان فيه نساء يسقين الجرحى ويداوينهم ويطعمن الجائع فقال حصين: ما يزال يخرج علينا من ذلك الفسطاط أسد كأنما يخرج من عينه فمن يكفينيه؟ فقال رجل من أهل الشام: أنا، فلما جن عليه الليل وضع شمعة في طرف رمحه ثم ضرب فرسه ثم طعن الفسطاط فالتهب ناراً والكعبة يومئذ مؤزرة في الطنافس، فطارت الريح باللهب على الكعبة حتى احترقت واحترق فيها يومئذ قرنا الكبش الذي فدي به ..
ذكرت الرواية أن المفدي هنا إسحاق وهذا خلاف صحيح، ولذلك لم نثبت كلمة إسحاق حتى لا يتوهم متوهم أن لهذا الرواية قيمة في كتب أهل العلم.
قال محمد بن عمر: ومات يزيد بن معاوية فهرب حصين بن نمير، فلما مات بن معاوية دعا مروان بن الحكم إلى نفسه فأجابه أهل حمص وأهل الأردن وفلسطين، فوجه إليه ابن الزبير الضحاك بن قيس الفهري في مائة ألف فالتقوا بمرج راهط ومروان يومئذ في خمسة آلاف من بني أمية ومواليهم وأتباعهم من أهل الشام فقال مروان لمولى له: احمل على أي الطرفين شئت. فقال: كيف نحمل على هؤلاء مع كثرتهم؟ فقال: هم بين مكره ومستأجر، احمل عليهم لا أم لك فيكفيك الطعان الناجع الجيد وهم يكفونك بأنفسهم، إنما هؤلاء عبيد الدينار والدرهم، فحمل عليهم فهزمهم وأقبل الضحاك بن قيس وانصدع الجيش.