للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يسعك كفناً. فقال: لا تبكي، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض من يشهده عصابة من المؤمنين». فكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية ولم يبق منهم غيري، وقد أصبحت بالفلاة أموت، فراقبي الطريق فإنك سوف ترين ما أقول، فإني ما كذبت ولا كذبت. فبينما هي كذلك إذا بقوم تخب بهم رواحلهم حتى وقفوا عليها، فقالوا: مالك؟ قالت: امرؤ من المسلمين تكفنوه وتؤجروا. قالوا: ومن هو؟ قالت: أبو ذر. ففدوه بآبائهم وأمهاتهم فابتدروه، فقال: أبشروا فأنتم النفر الذي قال فيكم النبي صلى الله عليه وسلم ما قال، فأنشدكم بالله لا يكفنني رجل منكم كان عريفا أو أميراً أو بريداً. فكل القوم قد نال من ذلك شيئاً إلا فتى من الأنصار، قال: عندي ثوبان في غيبتي من غزل أمي. قال: أنت صاحبي.

أقول: وإنما لم يرد أن يكفنه أحد من هؤلاء لأن الأمير والعريف يحتمل أن يخالط أعمالها شيء من جور، وأما البريد فلأنه قد يحمل رسالة في زور أو جور.

وذكر الذهبي في السير (١) عن زيد بن خالد الجهني قال: كنت عند عثمان، إذ جاء أبو ذر، فلما رأه عثمان قال: مرحباً وأهلاً بأخي. فقال أبو ذر: مرحباً وأهلاً بأخي، لقد أغلظت علينا في العزيمة، والله لو عزمت علي أن أحبو لحبوت ما استطعت، إني خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم نحو حائط بني فلان، فقال لي: «ويحك بعدي»! فبكيت، فقلت: يا رسول الله، وإني لباق بعدك؟ قال: «نعم، فإذا رأيت البناء على سلع (٢)، فالحق بالمغرب، أرض قضاعة».

قال عثمان: أحببت أن أجعلك مع أصحابك وخفت عليك جهال الناس.


= عريفا: من كان له أسرة دون إمرة الأمير الأعلى.
بريداً: الذي يحمل البريد.
عيبتي: العيبة وعاء من أدم ونحوه يكون فيه المتاع.
(١) السير (٢/ ٧٠). وقال محققه: رجاله ثقات.
(٢) سلع: جبل من جبال المدينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>