٢٠٧٥ - * روى البخاري عن أبي هريرة، قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين: فأما أحدهما، فبثثته في الناس، وأما الآخر، فلو بثثته لقطع هذا البلعوم.
قال محقق السير: وقد حمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم. وقد كان أبو هريرة يكني عن بعضه، ولا يصرح به خوفاً على نفسه منهم. كقوله: أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان. يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية، لأنها كانت سنة ستين من الهجرة، واستحباب الله دعاء أبي هريرة، فمات قبلها بقليل.
وقال ابن المنير: جعل بعضهم هذا الحديث ذريعة إلى تصحيح باطلهم حيث اعتقدوا أن للشريعة ظاهراً وباطناً، وذلك الباطل، إنما حاصله الانحلال من الدين، وإنما أراد أبو هريرة بقوله: قطع. أي: قطع أهل الجور رأسه إذا سمعوا عيبه لفعلهم، وتضليله لسعيهم، يؤيد ذلك أن الأحاديث المكتومة لو كانت من الأحكام الشرعية ما وسعه كتمانها.
قال الذهبي: هذا دال على جواز كتمان بعض الأحاديث التي تحرك فتنة في الأصول، أو الفروع؛ أو المدح والذم؛ أما حديث يتعلق بحل أو حرام فلا يحل كتمانه بوجه؛ فإنه من البينات والهدى. وفي "صحيح البخاري": قول الإمام علي رضي الله عنه: حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟ وكذا لو بث أبو هريرة ذلك الوعاء، لأوذي، بل لقتل. ولكن العالم قد يؤديه اجتهاده إلى أن ينشر الحديث الفلاني إحياء للسنة، فله ما نوى وله أجر -وإن غلط -في اجتهاده.
وقال الحافظ في "الفتح": وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة، ومثله قول ابن مسعود: ما أنت محدثاً قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة. رواه مسلم في مقدمة صحيحه.
٢٠٧٥ - البخاري (١/ ٢١٦) ٣ - كتاب العلم -٤٢ - باب حفظ العلم.