وقال ابن كثير: أسلم هو وأبوه وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس يوم الفتح. وقد روى عن معاوية أنه قال: أسلمت يوم عمرة القضاء ولكني كتمت إسلامي من أبي إلى يوم الفتح، وقد كان أبوه من سادات قريش في الجاهلية، وآلت إليه رياسة قريش بعد يوم بدر، فكان هو أمير الحروب من ذلك الجانب، وكان رئيسًا مطاعًا ذا مال جزيل، ولما أسلم قال: يا رسول الله مرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين. قال:"نعم" قال ومعاوية تجعله كاتبًا بين يديك، قال:"نعم" ثم سأل أن يزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنته، وهي عزة بنت أبي سفيان واستعان على ذلك بأختها أم حبيبة، فلم يقع ذلك، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك لا يحل له.
والمقصود أن معاوية كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع غيره من كتاب الوحي رضي الله عنهم. ولما فتحت الشام ولاه عمر نيابة دمشق بعد أخيه يزيد بن أبي سفيان، وأقره على ذلك عثمان بن عفان وزاده بلادًا أخرى، وهو الذي بنى القبة الخضراء بدمشق وسكنها أربعين سنة، قاله الحافظ ابن عساكر. ولما ولي علي بن أبي طالب الخلافة أشار عليه كثير من أمرائه ممن باشر قتل عثمان أن يعزل معاوية عن الشام ويولي عليها سهل بن حنيف، فعزله فلم ينتظم عزله والتف عليه جماعة من أهل الشام ومانع عليها عنها وقد قال: لا أبايعه حتى يسلمني قتلة عثمان فإنه قتل مظلومًا، وقد قال الله تعالى:{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا}(١).
وروى الطبراني عن ابن عباس أنه قال ما زلت موقنًا أن معاوية يلي الملك من هذه الآية فلما امتنع معاوية من البيعة لعلي حتى يسلمه القتلة، كان من صفين ما قدمنا ذكره، ثم آل الأمر إلى التحكيم.
أقول: هناك روايات مشهورة فيما توصل إليه الحكمان والتحقيق أن هذه الروايات المشهورة لا تمثل الحقيقة. وعلى كل الأحوال فقد ترتب على هذا التحكيم ضعف وضع علي وقوة معاوية، فالتحقيق أنهما اتفقا على تولية غير علي ومعاوية ولكن الأمر لم يتم.